يحار المرء في تفسير ظاهرة الشر الواضحة في الشعوب الغريبة المستعمرة، أهي طبيعة أصيلة فيهم أم هي نتيجة مباشرة لعوامل الاعتداد بالقوة وحياة الترف ولوازم المدنية؟
لا شك في أن الشعوب الغربية المستعمرة بلغت من الرقي الاجتماعي ومن الآداب والعلوم والثقافة العامة والتسامي في التهذيب أو كادت تبلغ أوج التعاليم الإنسانية، فما السر في أنها تقتتل في الحروب قتال الإبادة والفناء والتدمير والتخريب، ويعمل الظافر فيها على سحق أخيه المغلوب؟
ثم ما بال هذه الشعوب الغربية كالجزار تعمل مداها في تلك الأغنام التي تدر الثروة عليها كلما أحست بحركة تدب في هذه القطعان؟ وما هي إلا الشعوب الشرقية الواقعة تحت سلطانها ودائرة نفوذها؟
أفهم أن يستمسك الوارث بما ورثه عن الآباء والأجداد، كما أفهم في طبيعة الغني القوي جشعاً يدفعه إلى تنمية ثروته وتوسيع جاهه ومد سلطانه كالشعب الإنجليزي المستعمر، أما الذي لا أفهمه ولا أجد سبيلاً إلى إدراكه فهو كيف يجوز لمبذر متلاف كالشعب الفرنسي الذي أضاع ما ورثه عن آبائه وأجداده وفقد بسفهه الأخلاقي والاجتماعي، كيف يسوغ له وهو القاصر المريض أن يزود بأسلحة الشر يعملها في رقاب من أرادوا الخلاص منه والإعتاق من رزاياه من سكان شمالي أفريقيا، خصوصاً وأن الفرنسي كالإنجليزي يستويان في ادعاء تهذيب الشعوب وتدريبها على الحكم الذاتي.
أفهم أن نهم الاستعمار يسيل لعاب الإنجليزي ويدفع يده إلى امتلاك كل بقعة من الأرض مجاورة لما اغتصبته يده من قبل، ولكل قطر سهلا كان أو جبلا، نهراً أو قناة، يقع في طريق إمبراطوريته المترامية الأطراف.
أفهم ذلك والإمبراطورية البريطانية خارجة ظافرة من حرب بذلت في سبيلها مهجاً وأموالا، واكتسبت من جرائها عطف العالم وإعجابه بها، وبذلك لا أستغرب أن أراها تمد يدها تنتزع قطراً من هنا وتحتل مقاطعة هناك، وتتطلع إلى ما هنالك، وهي تتذرع بروح