كتب الأستاذ علي العماري في عدد الرسالة الماضي يسألني رأيي في الآيات:
(انطلقوا إلى ما كنتم به تكذَّبون. انطلقوا إلى ظلٍّ ذي ثلاثٍ شُعبٍ، لا ظليلٍ ولا يُغني من اللهب. إنها ترمي بشررٍ كالقصر، كأنه جِمالةٌ صُفر).
فهو يرى أن حكمي على بيتي شوقي عن قصر انس الوجود:
قف بتلك القصور في اليم غرقي ... ممسكا بعضها من الذعر بعضا
كعذارى أخفين في الماء بضا ... سابحات به وأبدين بضا
بأنهما يكشفان عن تزوير في الشعور، لأنهما يبعثان شعورين متناقضين في النفس، ويدلان على أن الشاعر لم يحس بالموقف الذي يصوره إحساسا صادقا. . . الخ.
يرى أن حكمي هذا يصطدم بهذه الآيات القرآنية. ويقول في تعليل هذا:
(فالجو العام للآيات هو تهديد وإنذار وتخويف، يقذف باللهب، ويرمي بالشرر؛ ولكن التشبيه لا يبعث في النفس إلا الطمأنينة والهدوء والظل الأبيض الناصع. نعم إن منظر الجمال الصفر متتابعة مختلطة متحركة في تموج واضطراب هوهو منظر الشرر، ولكن هذا المنظر لا يبعث في النفس، ولا سيما نفس العربي إلا المسرة والبهجة والشعر والجمال، فالجمل أليف إلى نفسه حبيب إليها، وهو حين يكون اصفر يزيد في إعجابه وبهجته. الخ)
وهذا المشهد من مشاهد القيامة قد تحدثت عنه بتوسع في كتابه (مشاهد القيامة في القرآن)، وهو في المطبعي الآن. فأكتفي هنا بكلمة قصيرة إلى أن يظهر الكتاب!
ولست ادري وجها هنا للبس ولا للموازنة بين البيتين والآيات؛ فإن مشهدا يصور جهنم، وقد انبعث منها الدخان الكثيف المتشعب كأنه الظل، ولكن (لا ظليل ولا يغنى من اللهب)! وهي لضخامتها وهولها ترمي بالشرر كل واحدة منها في حجم القصرة - أي الشجرة الغليظة - أو في حجم الجمل. . . وهي تقذف بها في عنف وشدة (ترمي بشرر كالقصر) لا متتابعة في هينة وهدوء كما يريد الأستاذ أن يصور المشهد
وإن مشهدا مفزعا كهذا المشهد، لا يدع للحس فرصة ولا فسحة، يتملى فيها على هينة