في عام ٢٢٩ من الهجرة حبس الخليفة العباسي الواثق كتاب دولته وألزمهم مغارم جسيمة، متهما إياهم بالخيانة واحتجان المال.
وكان بين هؤلاء: أحمد بن إسرائيل، وسليمان بن وهب كاتب إيتاخ القائد، وأخوه الحسن بن وهب، وأحمد بن الخصيب، وإبراهيم بن رباح، ونجاح بن سلمة، وأحمد بن خالد الملقب بأبي الوزير.
وقد تولى تدبير هذا الأمر محمد بن عبد الملك الزيات وزير الواثق. وكان ابن الزيات - على رجاحة عقله ووفور علمه وأدبه - ينطوي على أبلغ ما تنطوي عليه جوانح رئيس من القسوة والظلم والاعتساف.
وكان سليمان بن وهب من أشد هؤلاء المنكوبين تعرضاً للأذى، وإن كان قد خلص بنفسه من العطب تحت شروط ثقال ارتضاها وأقر بها. ويسجل الطبري ذلك في تاريخه فيقول:
(أمر الواثق بحبس سليمان بن وهب كاتب إيتاخ، وأخذه بمائتي ألف درهم - وقيل دينار - فقيد وألبس مدرعة من مدارع الملاحين، فأدى مائة ألف درهم. وسأل أن يؤخر بالباقي عشرين شهراً، فأجابه الواثق إلى ذلك، وأمر بتخلية سبيله ورده إلى كتابة إيتاخ، وأمره بلبس السواد).
ويروي القاضي التنوخي في كتابه (الفرج بعد الشدة): بإسناد لسليمان بن وهب نفسه، قوله:
(كنت في زمن محمد بن عبد الملك في أيام الواثق لما صادرني عن كتابة إيتاخ على أربعمائة ألف دينار، وقد أديت منها مائتي ألف ونيفاً. فاستحضرني يوما وطالبني بالباقي، وحدني فيه وأرهبني، ولم يرض مني إلا أن أجبت أن أؤدي خمسين ألف دينار قاطعة للمصادرة، على أن يطلق ضياعي. .)
جلس محمد بن عبد الملك الزيات يوما يجد في مطالبة هؤلاء المنكوبين ويمعن في إرهابهم واحدا بعد الآخر. فلما كانت نوابه سليمان أعاد عليه المطالبة وأغلظ له في القول، وسامه أن يقر كتابا بقدر من المال جسيم. وقبل أن يأخذ خطه بما قرره عليه خرج من دار الحرم