أشارت الرسالة في عددها الماضي إلى المحاضرة القيمة التي ألقاها نزيل مصر، المستر جون نيتل الكاتب السويسري الكبير، عن تعليم الفلاحين ووجوب الاهتمام بثقافتهم القروية والصحية، فذكرتنا هذه المحاضرة بمسألة لا تزال تثير في نفوسنا شجناً، هي مسألة الفلاح المصري بوجه عام
أجل إن مسألة الفلاح المصري مسألة تجدر بعناية كل مصري يقدر الدور الخطير الذي يضطلع به الفلاح في حياة هذه البلاد؛ فالفلاح عماد الإنتاج القومي، وجهوده عصب الثروة المصرية العامة، وهو منبع الذكاء المصري العامل؛ يؤدي للخزينة العامة من دخله ما لا يؤديه أي مصري آخر من ذوي المناصب أو المهن أو المال
ومع ذلك فالفلاح المصري أقل أبناء الأمة حظاً من عناية أولي الأمر، بل يكاد يكون منهم نسياً منسياً؛ فقلما يفسح له مجال في المشاريع والمرافق العامة، وقلما تقدر حقوقه ومصالحه قدرها الحقيقي؛ وبينما نرى جميع الطبقات والطوائف من الموظفين وذوي المهن والطلبة والعمال، بل وذوي المال، كلا تدأب على مطالبة الحكومة وأولي الأمر بتحقيق ما تنشد من الحقوق والمزايا، إذا بالفلاح يلزم الصمت والسكينة، ويرقب مصيره قانعاً بالأمل، راضياً بحكم القدر، معتمداً على الله ثم على نفسه ودأبه المتواصل
بل نلاحظ مع الأسف والألم أن أصوات قادتنا ومصلحينا ترتفع في كل وقت مطالبة بتحقيق مختلف المشاريع الإصلاحية العامة، ولكن قلما يرتفع منها صوت من أجل الفلاح والعناية بانتشاله من ذلك المنحدر السحيق الذي قضى عليه أن يعيش فيه؛ وإذاً فمما يثير الشكر والعرفان أن يرتفع بيننا صوت إنساني كصوت ضيفنا المستر نيتل، مطالباً للفلاح بما نقصر نحن في المطالبة به من عناية هو خليق بها
يعيش الفلاح، عصب الشعب المصري وكثرته الساحقة، في نفس الحالة التي يعيش عليها منذ آلاف السنين، في غمر من الجهل المطبق والأمراض الفتاكة، تعوزه أبسط وسائل الصحة والنظافة؛ ولا يكاد يخرج من كده ودأبه المتواصل بأكثر من القوت الضروري، بل لا نعرف في بلد من البلاد المتمدنة طبقة اجتماعية ينحط منسوب العيش فيها إلى هذا الدرك الأسفل الذي تنحط إليه معيشة الفلاح المصري
ويؤدي الفلاح إلى خزينة الدولة نحو خمسة ملايين جنيه ضريبة عقارية، ويؤدي أكثر منها