(هي رسائل الأحزان، لا لأنها من الحزن جاءت، ولكن لأنها إلى الحزن انتهت؛ ثم لأنها من لسان كان سلما يترجم عن قلب كان حربا؛ ثم لأن هذا التاريخ الغزلي كان ينبع كالحياة وكان الحياة ماضيا إلى قبر. . .!)
(الرافعي)
رسائل الأحزان
خرج الرافعي عن مجلس صاحبته مغضباً، في نفسه ثورة تَؤجّ وفي أعراقه دم يفور، وفي رأسه مرجل يتلهب؛ وكتب إليها كتاب القطيعة وأرسل به ساعي البريد، ثم عاد إلى نفسه فما وجد فيما كتب شفاء لنفسه، ولا هدوءاً لفكره، ولا راحة في أعصابه؛ وأحس لأول مرة منذ كان الحب بينه وبين صاحبته أنه في حاجة إلى من يتحدث إليه؛ وافتقد أصحابه فما وجد منهم أحدا يبثه أحزانه ويفضي إليه بذات صدره ويطرح بين يديه أحماله. لقد شغله الحب عن أصحابه عاماً بحاله لا يلقاهم ولا يلقونه ولا يتحدث إليهم ولا يتحدثون؛ فلما عاد إليهم كان بينه وبينهم من البعد ما بين مشرق عامٍ ومغربه بلياليه وأصباحه وتاريخه وحوادثه. وثقلت عليه الوحدة وضاقت بها نفسه، ففزع إلى قلمه يشكو إليه ويستمع إلى شكاته، فكتب الرسالة الأولى من (رسائل الأحزان) إلى صديقه الذي خصه بسره. . . إلى نفسه. . .
كان ذلك في مساء ٢١ من يناير سنة ١٩٢٤
وترادفت رسائله من بعد مسهبة ضافية يصف فيها من حاله ومن خبره وما كان بينه وبين صاحبته، في أسلوب فيه كبرياء المتكبر، ولوعة العاشق، ومرارة الثائر الموتور، و. . .