السلم وكراهية الحرب، فقد رضى أن توضع الحرب بين المسلمين والمشركين عشر سنين، في الوقت الذي كان المسلمون يتحرقون على القتال، وينتظرون منه كلمة واحدة، يندفعون بعدها كالسيل الجارف صوب مكة، حيث ينتصفون لأنفسهم وللإسلام من أولئك الذين أخرجوهم من ديارهم بغير حق، فكان الرسول حائلاً بينهم وبين ما يشتهون، حتى كادت تحدث بينهم فتنة عمياء لولا أن الله سلم. . .
وكان الرسول يوصي أتباعه دائماً في الحروب بقوله:(اغزوا باسم الله في سبيل الله من كفر بالله؛ لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعته، ولا تحرقوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناء!)
هذه مبادئ الإسلام في الحرب، وهي أرحم بالإنسانية وأشرف غاية من المبادئ السلمية - ولا أقول الحربية - التي تطبقها الدول القوية على الأمم الضعيفة باسم المدنية في هذا العصر
وإليك هذا الموقف الرائع النبيل، حين فتح الرسول مكة، ومكنه الله من رقاب قريش، وقد وقف على باب الكعبة والناس من حوله ينتظرون كلمة الفصل: فإما موت وإما حياة! فقال لهم: ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء! فكان ذلك سبباً في إسلام قريش بأجمعها، وحقن دمائهم ودماء المسلمين
فالقول إذن بأن الإسلام انتشر بالسيف فرية باطلة، وإنما انتشر الإسلام بالحجة والبرهان، وبسماحة مبادئه ومتانة أصوله. ولا عجب فهو الذي يقول:(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، والله سميع عليم)