إن الذين رأوا حربين عالميتين، أطلقوا على الأولى (الحرب العظمى)، وعلى الثانية (الحرب العالمية)! يتساءلون اليوم عما يأتي به الغد لهذا البلد الأمين
لقد تبلورت أمانينا عند نهاية الحرب الماضية في كلمة (الاستقلال التام)، فخيل إلينا أنها سلَّم النجاة، وتلقينا من قادتنا أن علة بلادنا هي سيطرة الغالب على مرافق الحياة فيها، وأن العلاج الشافي هو (الاستقلال)!
وهانحن أولاء اليوم - كما بدأنا بالأمس فقط - تغير الإسم، فأصبح (الأماني القومية) بدل عنوان (الاستقلال)، ولكن هناك فارق، ففي الماضي كنا نصدق ونؤمل وننتظر، كنا ننظر إلى القادة نظرة ملؤها الإجلال. أما اليوم، فإننا نجر وراءنا ربيع قرن من التجارب القاسية، والأحلام الضائعة، والآمال التي لم تتحقق. فهل لدى هذا المجموع اليوم من القوى الروحية الواقعة ما يجعله يترقب طلوع شمس الحقيقة، كما تطلع إليها الجيل السابق وعمل للوصول إليها؟
من واجب الجيل الناشئ والمخضرمين أن يوجهوا هذا السؤال إلى أنفسهم أولاً، وأن يعلموا يقيناً أنه قد يسهل تحريك الشعور الوطني أو القومي أو العاطفي، كما حدث عام ١٩١٩، ولكن لا نريد أن تتكرر أخطاء ٢٥ عاماً مرة أخرى، فما العمل؟
يجب أن نعرف مقدار ما لدينا من عوامل البناء قبل أن نحرك القوى الدافعة، لكي لا تعرض مشروعاتنا دائما للفشل والتراجع كما حدث في الماضي، وكما يحدث في الوقت الحاضر
ولنا أن نتساءل: إلى أي مدى يمكن أن تسير بنا القوى الروحية والمقاييس العليا والسياسة العاطفية؟ ولماذا تتبخر هذه القيم وتفنى لدى الصدمة الأولى؟
إذا عدنا إلى أنفسنا وجدنا أننا نشأنا على النمط الذي وجدنا عليه آباءنا من قبل، فحملنا أخطاءهم ومزاياهم، وجاء التعليم الحديث الأوربي، فتعلمنا على القدر الذي سمح لنا به، كما صيغت نفوسنا في القالب الذي أراد واضعو هذا التثقيف أن تصاغ عليه، فماذا كانت النتيجة؟