تململ سوبي على مقعده في متنزه ماديسون بقلق واضطراب، ولم يلبث أن انتفض من مضجعه فزعاً مهموماً. فقد اهتزت الشجرة التي تظله وسقطت في حجرة أوراق ذاوية صفراء. وقد دلته التجارب والأيام أن الأوراق الصفراء ما هي إلا نذير الطبيعة الرؤوم لأمثاله من منا كيد الدهر تحذرهم بأن قد آن الأوان ليبحثوا لهم عن مأوى يقيهم قر الشتاء وشآبيب السماء.
واعتقد سوبي رأسه بين يديه وغرق في لجة من التفكير. . إلى أين يذهب، وأي مأوى يختار لفصل الشتاء؟ إنه لا يطمع في القصور المنيفة، ولا يبغي وثير الفراش. . إن كل ما يطلبه وتهفو إليه نفسه غرفة ضيقة حقيرة في سجن الجزيرة يقيم فيها وتعصمه من البرد خلال أشهر الشتاء الثلاثة.
وقد كان سجن الجزيرة هذا مشتي سوبي المفضل لعدة سنوات خلت. . فكان إذا ما قرعت ريح الشتاء أبواب إلى سجن الجزيرة، كما يسعى المترفون إلى اتخاذ الترتيبات للاشتاء في الريفييرا وغيرها. . وها هو ذا الفلك قد أتم دورته وحل الشتاء. وفي الليلة السابقة نخر البرد عظامه رغم ما التف به من صحف وأوراق وهو نائم على المقعد في المتنزه. . وكان بوسعه أن يلتجئ إلى أحد الملاجئ الخيرية الكثيرة في المدينة، حيث يقدم له الطعام والمأوى مجاناً. . إلا أنه كان يفضل ضيافة السلطات القانونية على ضيافة الملاجئ الخيرية، وكانت نفسه الأبية ترى في الاستجداء ضعة وهواناً، فهو إن لم يدفع لمأواه في هذه الملاجئ مالا يدفع له من عزة نفسه ضريبة. . كلا ثم كلا. . أنه لن يستجدي لقمته على حساب كرامته. .
وما كاد يقف عند هذا العزم حتى انقلب يفكر في الوسيلة التي توصله إلى السجن. . وكانت الوسائل كثيرة سهلة، ولكن أفضلها أن يدخل مطعماً من المطاعم الراقية ويتزود بأكلة شهية