للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من صميم الحياة]

وحي الشيطان. . .!

للأستاذ علي الطنطاوي

(على أرباب الأقلام أن يوقظوا النيام وليس عليهم أن يحيوا

الموتى. .)

علي

وهذه (أيضا) قصة من قصص الحياة، (ألفتها) و (مثلتها) على مسرحها، وهي قصة واقعة أعرف زمانها ومكانها وأشخاصها، ولكني لن أصف شيئاً من ذلك ولا أشير إليه، لأني لا أريد أن أسوء أحدا ولا أن أعرّض به، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما في التعريض بالناس نفع للقراء ولا لي وما أكتب تاريخا إنما أسرد قصة. . .

وقعت هذه القصة في بلد من بلدان هذا الشرق العربي الذي يقف اليوم حائرا في مجمع الطرق، لا يدري أين يسلك ولا إلى أين يتجه، والذي يعيش عيشة تحكى الثوب المرقّع، فيها شيء من الجاهلية وشيء من العصور الإسلامية الأولى، وشيء من عصر الانحطاط، وشيء من فرنسا ومن إنكلترا ومن روسيا ولكنه لا يكاد يأخذ من كل (شيء) إلا أسوأ ما فيه.

وكان مما أخذ أهل ذلك البلد عن أمريكا، أنهم عملوا من بناتهم في المدارس مثل المجندات فيها، وما جندت أمريكا المجندات في هذه الحرب إلا (للترفيه) عن الجنود، فعمّن نريد أن (نرفه) نحن؟!

وانتشرت هذه البدعة في مدارس البنات حتى بلغت هذه المدرسة، وأراد القائمون عليها إعداد هذا اللباس العسكري للطالبات، ولم يكن بدّ من الاستعانة بخياط فبحثوا حتى وجدوا خياطا أخبروهم أنه رجل أمين صاحب خلق متين، وجاؤا به ليقيس أجساد الطالبات، وجعلوا يدخلونهن عليه واحدة بعد واحدة، وهو ماض في عمله، يغض من بصره إلا عما لابد من رؤيته، ويترفق في جسه ومسه، إبقاء على طيب الذكر، وحرصا على صناعته، ولعنة الله عليها من صناعة، أن يخيط الرجل ثياب النساء، ولعن كل من يرضى بها. ولبث

<<  <  ج:
ص:  >  >>