أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ... فطالما استعبد الإنسان إحسان
أقبل على النفس واستكمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
وحيث قال:
الدهر خداعة خلوب ... وصفوه بالقذى مشوب
وأكثر الناس فاعتزلهم ... قوالب ما لها قلوب
فلا تغرنَّك الليالي ... وبرقها الخلب الكذوب
ففي قفا أمنها كروب ... وفي حشا سلمها حروب
وأنه كان ينثر في الحكمة كما ينظم فلا تعوزه القافية ولا التحسين وإن أعوزته التفاعيل والموازين. ومن ذاك أنه قال:(حد العفاف الرضى بالكفاف) وأنه قال: (من سعادة جدك وقوفك عند حدك) وأنه قال (المنية تضحك من الأمنية). وأنه قال:(من أصلح فاسده أرغم حاسده) وأنه قال: (إذا بقى ما قاتك فلا تأس على ما فاتك) فلا جرم كان أشعر الشعراء وأحكم الحكماء، وحق له أن يقول في شمم وإباء وعزة وخيلاء:
يقولون ذكر المرء يحيى بنسله ... وليس له ذكر إذا لم يكن نسل
فقلت لهم نسلي بدائع حكمتي ... فإن فاتنا نسل فإنا بها نسلو
نعم وأصبحنا مصححين ناجحين غير فاهمين ولا متفهمين، لأننا رجعنا إلى الفوائد الفكرية، فوجدنا فيها هذه النصائح الحكمية:(وينبغي للولد أن لا يدخل المحل الذي تكون أمه واضعة فيه المأكولات مثل العسل والسمن والفاكهة وغير ذلك إلا بإذنها، ولا يمد يده لشيء يرفعه من مكانه إلا بعلمها، فأنه يتعب والدته المشفقة اللينة القلب عندما تطلب ذلك الشيء ولا تجده. فليحذر غاية الحذر من كل ما يؤدي إلى تعبها وتغير قلبها)
فلما رجعنا إلى الفوائد الفكرية ووجدنا فيها هذه النصائح الحكمية، قلنا هي ملكة شعرية لا تعوزها غير الأوزان العروضية لأنها تنظم في اللغة العربية، ولا تنظم بالإفرنجية في اللغات الأجنبية، وكله عند العرب صابون، كما يقول المصححون الذين يصححون ولا يفهمون، بل كل قول مليح، إذا عجز الإنسان عن الفهم وقدر على التصحيح.