عقدت لجنة التعاون العقلي الملحقة بعصبة الأمم مؤتمرها السنوي في جنيف في أواخر يوليه، برياسة المفكر الإنكليزي الكبير الأستاذ جلبرت موري، ومثلت فيها معظم الأمم المنضمة إلى العصبة؛ وجرت فيها عدة بحوث ومناقشات في المسائل الفكرية والأدبية، وكان مما لفت الأنظار بنوع خاص حوار طريف دار حول مستقبل الآداب بين أديبين كبيرين من ممثلي فرنسا هما المسيو ادوار هريو رئيس الوزارة الأسبق والمسيو بول فاليري الشاعر الكبير.
يرى مسيو بول فاليري أن أولئك المفكرين الذين يتذوقون جمال الشعر وروعة الأدب يختفون في عصرنا شيئاً فشيئاً حتى غدوا قلة محسوسة؛ وربما شهدنا في المستقبل القريب انقراض القارئ المفكر المتمهل؛ ذلك أن السينما والسيارة والأخبار السريعة التي تلقيها الصحف كل ساعة قد شغلت الأفكار، وأحدثت في الأذهان اضطراباً مريعاً، وأودت بقواعد النقد والكتابة السليمة، وأخذت الأذهان تعدل شيئاً فشيئاً عن البحث والتعمق إلى التعميم والبساطة السطحية، ووصلت العدوى إلى أولئك الذين اعتادوا من قبل أن يزنوا آراءهم وأن يمحصوها، فمستقبل الأدب الرفيع اليوم في ميزان، وليس بعيداً أن يطفو الأدب الشفوي على كل أنواع الأدب السليم الهادئ.
على أن مسيو ادوار هريو لا يرى رأي زميله المسيو فاليري، فهو أكثر منه تفاؤلاً بمستقبل الأدب الرفيع، ومن رأيه أن تطور الفكر الغربي يسير في مجراه الطبيعي، وأن الأدب يشغل مركزه الهام في المجتمع الجديد الذي يتكون اليوم. ويقول مسيو هريو إن الأدب سيبقى حياً دائماً، ذلك أن وحدة الذهن والأدب الحقيقي يرتبطان برباط قوي، ولا يتسنى للأدب أن يعيش وحده على هامش الذهن. وما دام هناك أدب رفيع فسيكون هناك قراء، فليخرج الأديب والفنان كل منهما نتائج فكره، فيجد دائماً من يتذوقها.
ويرى مسيو هريو أنه إذا كانت ثمة في آداب عصرنا بعض نواحي الضعف والسقم، فإن ذلك يرجع إلى آثار الحرب الكبرى. ذلك أنها كما أضرت في الماديات، أضرت في العقليات أيضاَ، وأصابت حركة التفكير بويلاتها.