للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

قصة مصرية

صدمة الغرور

أتم كامل تسريح شعره بعد أن نضحه بماء الكلونيا ووضع طربوشه فوق رأسه. ثم نظر في المرآة المثبتة في خزانة ملابسه نظرة اختبار وتأمل، فحسن في عينه كل شيء إلا نظام المنديل الحريري المدلى من جيب سترته، فأخذه في يده وجمع أطرافه إلى وسطه وأعاده بعناية ورفق إلى مكانه.

ارتدى بعد ذلك معطفه، وامسك بعصا دقيقة وخرج من المنزل الصغير، بعد أن أوصى الخادم أن يعد طعام الغداء مع شيء من الزيادة وكثير من العناية، لان ضيفا سيأتي لزيارته اليوم وسيعود إلى المنزل معه.

سار كامل في طريقه إلى عمله بمكتب (التلغراف) في تؤده ونظام، ترتسم على شفتيه نصف ابتسامة يتكلفها دائما ليكون عظما علا الأقل - في نظر نفسه - وكان حريصاً كعادته على أن يقتصد في نظراته وتحياته في الطريق، وعلى أن يظل منتصب القامة واضعا يده اليسرى في جيب معطفه، وممسكا بالأخرى قفازيه وعصاه الثمينة، ويرفعها ويهبط بها على نظام ثابت، وبين مسافات متساوية. مبتعدا بحذائه اللامع عن آثار المطر القليل في الشارع.

وصل المكتب فحيا الوكيل وحيا زملائه بابتسامة كاملة لم تنفرج لها شفتاه، ثم جلس إلى عمله يستقبل البرقيات ويعنونها ويضعها في أغلفتها ويسلمها بإصلاتها إلى السعاة الموزعين.

يفكر كامل في نفسه كل التفكير ويتأنق في ملبسه كل التأنق، فهو يشفق أن تقتحمه نظرة أرستقراطية تقع منه على ضعف في التجانس بين قميصه الحريري وبين بذلته أو رباط عنقه. ولذلك يأخذ نفسه بكثير من الدقة في اختيار الألوان وفي انسجام كل مجموعة من ملابسه على ذوق مناسب للفصل وللوقت. يرعى ذلك كله وأن يعمل في مدينة صغيرة من مدن الوجه البحري قلما تقع فيها العين على اكثر من اللباس العادي النظيف الذي يمتاز بالبعد عن الكلفة والإمعان في البساطة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>