للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التجديد في الأدب]

للأستاذ أحمد أمين

(٤)

الشعر

من قديم حاول الأدباء والنقاد أن يضعوا تعريفا للشعر فاختلفت تعاريفهم لاختلاف أنظارهم، ولأن كلمة الشعر استعملت في معاني مختلفة، فكان كل أديب يعرفه حسب نظره، وحسب المعنى الذي يرمي إليه، وكان سواء في ذلك أدباء العرب والإفرنج.

ذلك أن الشعر (على العموم) يتكون من عنصرين أساسين وهما الوزن والقافية أولاً، وإثارة المشاعر ثانيا، فإذا فقد الكلام عنصرا من هذه العنصرين لم يصح أن يسمى شعرا، غير أن بعض العلماء طغى عليه النظر إلى عنصر الوزن فعرفه تعريفا أفقده روحه، فقالوا أن (الشعر هو الكلام الموزون المقفى) ومثله قول بعض الفرنج (أي كلام موزون يسمى شعرا سواء أكان جيدا أم رديئا) وعلى هذا التعريف فألفية ابن مالك شعر، وقواعد الحساب المنظومة شعر، والمتون الفقهية المنظومة شعر، كما أن بعض العلماء طغى عليه النظر إلى روح الشعر ومعناه فعرفوه تعريفا أفقده موسيقاه، كالذي قال بعضهم (الشعر فيضان من شعور قوي نبع من عواطف تجمعت في هدوء) ومثله قول رسكن: (الشعر إبراز العواطف النبيلة من طريق الخيال) وهو تعريف يصح أن يكون للأدب كله نثره وشعره بل للفن جميعه من أدب ونحت وتصوير وموسيقى.

وابن خلدون نقد التعريف بأنه الكلام الموزون المقفى وقال انه اصبح تعريفا عند العروضيين لا يصح عند البلاغيين ثم اختار أن يعرفه (بأنه الكلام البليغ المبني على الاستعارة والأوصاف المفصل بأجزاء متفقة في الوزن مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله الجاري على أساليب مخصوصة. وعيب هذا التعريف انه ممل وانه لم يلتفت إلى مزية الشعر وروحه وهو إثارة المشاعر واستقلال كل جزء منه في غرضه ومقصده ليس من العناصر الأساسية التي يصح أن تدخل في التعريف.

فلو قلنا إن الشعر هو الكلام الموزون المقفى المنبعث عن عاطفة والمثير لعاطفة كان تعريفا أقرب إلى الصواب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>