فإذا وجدت نوعا من الأدب يجمع الوزن والاتصال بالمشاعر فسمه شعرا وإلا فلا.
والشعر يثير المشاعر بما فيه من خصائص (فأولاً) بأوزانه وقوافيه ولذلك كان المعنى الواحد إذا قيل مرة شعراً ومرة نثرا كان في الشعر أقوى أثرا (وثانيا) بلغته فللشعر لغة غير لغة النثر ولسنا نعني بلغة الشعر الكلمات الغريبة أو أنواع البديع أو نحو ذلك فقد يكون الشعر في منتهى الرقي وكلماته في منتهى السهولة وهو كذلك خلو من كل أنواع البديع إنما الذي نعينه أن للشاعر ملكة لا يمكن أن نوضحها تمام الوضوح، بها يستطيع أن يتخير من ألفاظ اللغة ما يرى أنها ابعث للمشاعر. وهو كذلك يضعها في قوالب يتخيرها من القوالب العديدة والتراكيب اللغوية المختلفة، وهذا هو ما يجعل الشاعر شاعرا فقد يكون عندنا شعور فياض كالشعور الذي عند الشاعر أو أغزر منه ولكن ليس لنا هذه القدرة على الإفصاح واختيار الألفاظ والقوالب والتراكيب ومن ثم كان من المستحيل ترجمة الشعر إلى شعر لأن الترجمة لا ترينا ما للشاعر من قدرة فنية على اختيار الألفاظ والأساليب، والذي نترجمه هو المعنى الذي حواه الشعر وما فيه من تصوير وخيال. ويعد المترجم أمينا إذا هو استطاع أن ينقل هذا، أما طريقة الأداء فلا يمكن ترجمتها. نعم إن بعض الشعراء قد يقرأ القطعة من الشعر ويكون له قدرة فنية فيصوغ هو شعراً مستمدا من وحي ما قرأ وقد يجري مع الأول في واد واحد وتكون له عذوبة ما للأول ولكن ليس هذا ترجمة على الإطلاق.
كذلك يثير الشاعر الشعور بما عنده من لطف النظر أو الإلهام أو اللقانة أو ما شئت فسمه، فللشاعر روح غامض طبع عليه لا يكتسب بتعلم، به ينظر إلى الأشياء نظرا خاصا وبه يبعث الشعور عند السامع. ولعل هذا هو الذي جعل شعراء العرب يعتقدون أن لكل شاعر شيطانا ينفث فيه الشعر. ولأمر ما خلط العرب فسموا النبي شاعراً أحيانا وكاهناً أحيانا (وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذَكَّرون) وللشاعر نظر باطن للحياة يغوص فيها ويستخرج معانيها ويعرضها في شعره، ولأن الشعر هو معنى الحياة كان شعر كل عصر مرآة له. وقديما قالوا:(الشعر ديوان العرب) والحق انه ديوان الأمم تسجل فيه حياتها وأفكارها ومشاعرها. فالشاعر يعطينا صورة روحية حية أكثر مما يعطينا إياها التاريخ. والشعراء عادة في مقدمة قومهم شعوراً وشعرهم إيذان بالفلسفة وإرهاص لها، فهم