(بائع القماش الهولاندي الساذج الذي ضحك منه أهل بلده فكاتب الجمعية الملكية البريطانية وبها روبرت بويل. وإسحاق نيوتن فاستمعت له وصفقت خمسين عاماً)
إن كثيراً من مكتشفات العلم الأساسية قد تظهر لرائيها اليوم بسيطة بالغة البساطة حتى ليعجب المتأمل في العصر الحاضر من رجال العصور الغابرة كيف أنهم تحسسوا وتلمسوا آلاف السنين عن أشياء كانت منهم قاب قوسين أو أدنى من ذلك قرباً. خذ المكروبات مثلاً. فعامة الشعوب تراها اليوم تتبختر على الشاشة البيضاء، والكثير من ذوي العلم القليل رأوها تسبح وتمرح تحت عدسة المكرسكوب، وطالب الطب البادئ يستطيع أن يري جراثيم كثير من الأمراض - وإذن فما هذه العقبة الكأداء التي قامت دون رؤية المكروب لأول مرة!
أذكر أن (لوفن هوك) عندما ولد لم يكن في الدنيا مكرسكوبات، ولكن عدسات يد صغيرة خشناء لا تكاد تكبر الشيء ضعفين، لو نظر بها هذا الهولاندي ثم نظر لعلاء الشيب ولما يكتشف من الأحياء إلا دود الجبن فما حجماً. وإنما الذي غير وجه الأمر نحت هذا الرجل عدساتٍ جديدة، ومثابرته على ذلك وإلحاحه فيه إلحاح معتوه، ثم شغفه بعد ذلك بنظر كل شيء، والتجهير إلى كل شيء، خص أو عم، علا أو حقُر، شرف أو سفل، دخل في حدود الأدب أو خرج عنها، فنال من ذلك خبرة وكسب مراناً هيأه لاستقبال ذلك اليوم الباغت الفاجيء الخالد، يوم نظر من خلال عدسته، تلك اللعبة الزجاجية فإطارها الذهبي، إلى. . . قطرة ماء!