في (مطمح الأنفس) للفتح صاحب (القلائد): قال أصحاب محمد بن عيسى (قاضي قرطبة) ركبنا معه في موكب حافل من وجوه الناس، فعرض لنا فتى متأدب قد خرج من بعض الأزقة سكران يتمايل، فلما رأى القاضي هابه، وأراد الانصراف فخانته رجلاه، فاستند إلى الحائط وأطرق، فلما قرب القاضي رفع رأسه وأنشأ يقول:
ألا أيها القاضي الذي عم عدله ... فأضحى به بين الأنام فريداً
قرأت كتاب الله تسعين مرة ... فلم أر فيه للشراب حدوداً
فإن شئت أن تجلد فدونك منكباً ... صبوراً على ريب الزمان جليدا
وإن شئت أن تعفو تكن لك منة ... تروح بها في العالمين حميدا
وإن أنت تختار الحديد فإن لي ... لساناً على هجو الزمان حديدا
فلما سمع شعره وميز أدبه أعرض عنه وترك الإنكار عليه ومضى لشأنه
٥٨٣ - تبا لها! قد كان بصري فيها ثابتا
في الطبقات لابن سعد:
عثمان بن مظعون حرم الخمر في الجاهلية وقال: إني لا أشرب شيئاً يذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدني مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي من لا أريد، فنزلت هذه الآية في سورة المائدة في الخمر. فمر عليه رجل فقال: حرَّمت الخمر، وتلا عليه الآية فقال تبّا لها! قد كان بصري فيها ثابتاً
(قلت): هذه الآية هي الكريمة العظيمة:
(يا أيها الذين آمنوا، إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه، لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر، ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل أنتم منتهون)