بادرت إلى قرأت كتاب (الفتنة الكبرى) الذي صنفه الدكتور طه حسين، لأنه أول كتاب له عن رجل من رجاله الصدر الأول من الإسلام، وهو (عثمان بن عفان) أمير المؤمنين وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنا اعرف الدكتور مكانه من العلم والتحقيق، وحسن تأتيه في تخريج الكلام؛ فمن اجل ذلك أيقنت انه سيملأ هذه الكتاب علما يضارع قدر هذا الرجل، ويوازن خطر الفتنة التي اضطرم سيرها في أخر خلافته، وانتهى باغتيال خليفة رسول الله اغتيالا لم يعرف تاريخ الإسلام ابشع منه ولا افظع. وقلت لنفسي أن أتجاوز الكلمة الأولى من الكتاب: أن طه خير من يصور للناس هذه الأحداث المختلطة المضطربة، وخير من يهديهم في شعابها إلى مفصل الرأي ومقطع البيان. وقديما ما ضل الناس في بيداء هذه الفتنة المظلمة، وقديما ما أخطأ الكتاب فهم هذه الحادث الجلل، وقديما ما حار الناس في أمر المسلمين الذين ذبحوا خليفتهم كما تذبح الشاة المظلومة، وقديما وحديثا ما خاض الناس فما خاضوا إلا مضلة لا يهتدي فيها سار إلى علم يفضي إلى جادة واضحة أو إلى غاية معروفة.
رميت بنفسي وعقلي في هذا الكتاب، وأنا على مثل هذه الثقة التي وصفت، وبمثل هذا الأمل الذي أمليت، فما كدت أفرغ حتى رأيت الكتاب كله يختلج بين يدي، ولست احب أن يعرف القارئ لم اختلج الكتاب. فهذا حديث طويل لو بدأت القصة لما عرفت أين انتهي، فأنا طاويه عنه؛ لأني أوثر أن ادع قلبه حيث هو من الاستقرار والأمن والرضى، وأنا افعل هذا وإن شاء هو أن أنشر هذا الذي طويت، وافعله وإن كره لنفسه هذا الاستقرار والأمن من الرضى، وحسب القارئ أن ينظر معي إلى موضعين في هذا الكتاب، لم ينفض عجبي منهما ولن ينفض عجبه حين يقف على خبرهما.
وأسبق القلم فازعم أني أسلم جدلا، كما يقولون، بأن كل الذي أتى به الدكتور طه صحيح في جملته وتفصيله، وأن الصورة التي أراد أن يصور بها تاريخ عثمان رضى الله عنه وتاريخ أصحابه ومعاصريه صحيحة أيضاً في جملتها وتفصيلها، وأزعم فوق ذلك أني لا أخالفه في شئ منها خلافا ما، وإني لو كتبت تاريخ عثمان، وتاريخ الفتنة، لم اقل إلا بما