أي شيء أحب إلى النفس، من المتعة هذه الأيام بالشمس، والحديث عن الشمس؟
فقد أقرسنا البرد حتى اصطكت منه أسناننا، وانكمش جلدنا، ويبست أطرافنا، وحتى وددنا - إذا رأينا النار - أن نحتضنها، وإذا رأينا الجمرة أن نلتهمها؛ ولوددت في هذه الأيام أن أكون فرانا، أو طباخا، أو سائق قطار، حتى لا أفارق النار
كل شيء في الطبيعة جميل، وأجمل ما فيها شمسها
وهي في شتائنا أجمل منها في صيفنا، ولها في كل جمال
فلها - صيفا - جمال القوة، وجمال القهر، وجمال السفور الدائم، نعظمها ونجلها؛ ونهرب منها ولكن نحبها. تقسو أحيانا، ولكنا نرى الخير في قسوتها؛ فهي كالمربي الحكيم، تقسو وترحم، وتشتد وتلين؛ تلفحنا بنارها، ولكنها نار كنار الحب يكتوي بها قلب العاشق، ثم هو يرجو بقاءها، ويخشى زوالها؛ ترسل علينا شواظاً من نار، فتسفع جلودنا، وتكوي جباهنا، حتى إذا غلا جوفنا، ووغر صدرنا، غابت عنا، وأرسلت رسولها اللطيف الوديع (القمر) فخفف من حدتنا، ولطف من سورتنا، وأصلح ما أفسدت، وضمد ما جرحت؛ فإذا خشيت أن نطمئن إليه، أدركتها الغيرة فغيبته، وطلعت علينا ببهائها، وجمالها وجلالها. وهكذا دواليك
وهي - شتاء - تطلع علينا بوجه آخر، ترينا فيه جمال الحنو، وجمال الدعة، وجمال الرحمة والعطف، وجمال الغادة اللعوب، تشاغلك فتظهر وتختفي، وتسفر وتحتجب، وتخرج من قناعها ثم تتقنع
وتنتقم من رسولها الذي غارت منه صيفاً فتطلعه علينا في جو بارد لا نطيقه، حتى لا نفكر إلا في دفئها ونسمتها، ولا نشتاق لشيء شوقنا لرؤيتها
فما أجملها قاسية وراحمة! وما أجملها واصلة وهاجرة!
تتلون بشتى الألوان فتسحر العقول، وتبهر العيون؛ فهي تارة بيضاء، وتارة صفراء، وتارة حمراء، ثم لا تستطيع أن تحكم هي في آيها أبهى وأجمل، فهي تزين ثيابها بأكثر مما تزينها ثيابها