بابا. . . عاوز أتومبيل أحمر زي أوتومبيل الملك يا بابا.) فأخرج معه كما يخرج الصديقان الأليفان لأمر مشترك؛ فينتقي ثيابه بذوقه، ويختار لعبه بنفسه، ويقترح على أن نذهب إلى (حديقة الفردوس)، فيمشي بين أفواف الزهر، أو على زخرف الممشى، فلا أدري أجمال الروض زها فيه فنظر حتى فتن، أم جماله هو فاض على الروض فزها حتى بهر! ثم يتفرق بصره المبهور بين التماثيل والتصاوير والورد، فيذهل عن طريقه فيخوض في الماء فجأة؛ فيخلع حذاءه وينزع جوربه ثم يدعهما للشمس ويقعد هو تحت المظلة أو فوق العشب يرسل على أبيه السعيد سيلاً من الأسئلة لا ينقطع، وفيضاً من المسرة لا ينضب؛ ثم يعود إلى بيته المزدان المرح فيستقبل في المساء أعمامه احمد أمين وزكي وخلاف والعبادي وعوض زناتي ويونس وسائر محبيه ومحبي أبيه، فينقلهم بإشراق نفسه وائتلاق طبعه من عالم الناس إلى عالم الملائكة!
ثم دار الفلك، وتجرم العام، وعاد اليوم الرابع عشر من شهر يناير! ولكنه وا حسرتاه يعود هذه المرة على بيت غير البيت، ودنيا غير الدنيا!! فلا العش مرح بفرخه، ولا الروض شاد ببلبله، ولا الأتومبيل حال براكبه!
يعود على ثياب مطوية، ولعب مخفية، وصور مستورة، وعيون مقروحة، وقلوب محطمة، وأمال مهيضة! فلا بساط الأنس ممدود يا رفاق، ولا حفلة العيد ساهرة يا أحبة!
اجل يعود اليوم الرابع عشر من شهر يناير، ولكنه والهفتاه يعود على قبر جني الأزاهير بين حقول القرية البعيدة؛ تسهر عليه الشجرة الصغيرة، وترعاه من قرب عيون الآهل!
فيا من دعوت نفسك الرءوف الرحيم! أين أجد رأفتك فيخف أساي، وأصيب رحمتك فيندمل جرحي؟