خلقها صاحبها الأستاذ علي محمود طه الشاعر الملهم، فسواها صنيعاً شائقاً يمتع الأدباء أفئدتهم وألبابهم بجماله، ويكبرونه لطرافته وما فيه من أسرار الفن والشعر. . . فما هي هذه الأسرار؟
إن هذا الصنيع منظومة أنافت على أربعمائة بيت في شأن يعني الإنسانية بأسرها، لأنه يتعلق بالفطرة البشرية؛ استوحى الشاعر فيها أساطير الإغريق الشعرية، وسيرة (آدم) و (حواء)، ومعنى هبوطهما من الملأ الأعلى، وخبرة الفنان في حياة الإنسان؛ وفاض شعره من نفس جياشة ومخيلة قادرة أرته أبطاله كأنهم أحياء يسمع أصواتهم؛ وجادت قريحته في تصويرهم، حتى كان من سحر فنه أن جعل قراءه يرونهم ويسمعون حديثهم، كما رآهم في خياله
بهذه المميزات مجتمعة استحق الصنيع اسم ملحمة، وعظم شأنه في الأدب العربي
ليست ملحمة حماسية، بل هي قصة الروح والجسد في محاورة موضوعها تجاذب الرجل والمرأة وأثر الغريزة في الفن بينهما؛ وهذا موضوع جدّي بعيد الغور، أحسنَ معالجته شاعر مثقف
فما هي عناصر الشعر في هذه الملحمة؟ إنها أثمار المخيّلة والشعور وهِزَّة الإلهام. . .
إن الشاعر تخيّل الروح في عالم الأرواح، مجرّدةً يقظي لفضيلتها الملائكية؛ وَتخيّلها - على الأرض - ناعسة في طيفها منذ أمَّها وتضمَّنها ضعيفاً تصوّنها في الإنسان. . .
وتصوّر أرواحاً نزيهة تتحادث في الفن الرفيع بين الرجل والمرأة، وفي الجمال والشهوات والأهواء، وفي الخطيئة وتبعتها على الرجل هي أم على المرأة؟
واختار لهذه المحادثة روح فنان شاعر حان بعثه في الأرض، وأرواح شخصيات من عهد الآلهة والفنانين الذين تصفهم أساطير الأولين، ليدور الحديث بينها في الموضوع على المتبيِّن من سيرة الإنسانية منذ نشأتها حتى اليوم؛ وجعل رمزاً إلى القدرة سمَّاه:(صوتَ السماء)، ليهديها إلى حقيقة المقدور؛ وفرض أن حرم النزاهة والطهر في السماء مسرح