فسيح الأرجاء، يقع فيه ما تصوّر من انطلاق تلك الأرواح في سحرها، ومن حركاتها وإشاراتها ودلالات ملامحها في محاورتها، ومن مرور الفنَّان بها وهو في صحبة ملّك يجوب به أجواز السماء، ومن اشتراك الثاني في المحاورة، ثم الأول إلى لحظة بعثه. . .
ذلك هو الخيال الأصلي في الملحمة؛ أما فروعه وحواشيه، فهي الخيالات البلاغية في الأسلوب، وقد زان الأصل والفرع من هذا الخيال، وزاد مزيته أعلاق فكرية تتعلَّق بالغريزة والنفس والجمال وبالحياة الاجتماعية، ولطائف أدبية كالإشارة إلى مانا وفنون هاواي، وإلى خروج موسى ببني إسرائيل من مصر، وقصته في أرض مدْين
فهذه مخيِّلة قادرة اقتطفت من معارف لشاعر، وغيّرت ما كان بين المقتطف وغيره من أوضاع العلاقة والمناسبة، وأنشأت بذلك معاني وصوراً ومشاهد مثالية، أي لم توجد مجتمعة في الحقيقة وإن عُرفت أقسامها متفرقةً؛ وأحيت أبطالاً خياليين فكأنك تراهم في مُتحدّثهم، وتداخلك حساسات وخوالج من مَحضرهم؛ وأودعت الملحمة أثمار فروعها من الألمعيّة والبديهة وغيرهما. . . فمن الألمعية في تشبيهات جديدة قوله:
على مذبح الحب من قلبها ... سراج يسبّح مَن لألأه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وتمشى الحياة علي نوره ... وما نوره غير عين امرأة
أهلّ بقلب كفرخ القطا ... يرفرف تحت جناح القدر
هو المرح الشارد المستهام ... شرود الفراشة عند المساء
ومن الألمعية في إدراك ما لا يُرى في الشيء أول وهلة وهو على الحقيقة فيه:
هو الحب؟. . . لا. . . بل نداء الحياة ... تلبيه أجسادنا الظامئة
ومن الألمعيّة في توحيد المتضادين:
هنالك (في الأرض) حيث تشبّ الحياة ... وحيث الوجود جنين العدم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وحيث السعادة بنت الخيال ... ولذتها من معاني الألم
سلا مجده الضخم في قبلة ... تذل وتسعد مَن ذاقها
ومن البديهة كلمة تاييس، حين وصل الشاعر في وصفه حواء إلى هذا البيت: