للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الطائشة]

للأستاذ مصطفى صادق الرافعي

قال صاحبها وهو يحدثني من حديثها:

كانت فتاة متعلمة حلوة المنظر، حلوة الكلام، رقيقة العاطفة، مرهفة الحس، في لسانها بيان، ولوجهها بيان غير الذي في لسانها تعرف فيه الكلام الذي لا تتكلم به. . .

ولها طبع شديد الطرب للحياة، مسترسل في مرحه خفيف طياش، لو أثقلته بجبل لخف بالجبل؛ تحسبها دائماً سكرى تتمايل من طربها، كان أفكارها المرحة هي في رأسها أفكار وفي دمها خمر. . .

وكان هذا الطبع السكران شباباً وجمالاً وطرباً - يعمل عملين متناقضين، فهو دلال متراجع منهزم، وهو أيضا جرأة مندفعة متهجمة. وهزيمة الدلال في المرأة إن هي إلا عمل حربي مضمرة فيه الكرة والهجوم؛ وكثيراً ما ترى فيها النظرة ذات المعنيين: نظرة واحدة تؤنبك بها المرأة على جرأتك معها، وتعذلك بها أيضا على انك لست معها أجرأ مما أنت. . .!

قلت: ويحك يا هذا! أتعرف ما تقول؟

قال: فمن يعرف ما يقول إذا أنا لم اعرف؟ لقد أحببت خمس عشرة فتاة، بل هن أحببنني وفرغن قلوبهن لي، ما اعتزت علي منهن واحدة، وقد ذهبن بي مذهباً ولكنني ذهبت بهن خمسة عشر!

قلت: فلا ريب انك تحمل الوسام الإبليسي الأول من رتبة الجمرة. . فكيف استهام بك خمس عشرة فتاة، أجاهلات هن، أعمياوات هن. . .؟

قال: بل متعلمات مبصرات يرين ويدركن، ولا تخطى واحدة منهن في فهم أن رجلاً وامرأة قصة حب. . . . وما خمس عشرة فتاة؟ وما عشرون وثلاثون من فتيات هذا الزمن البائر، الذي كسد فيه الزواج، ورق فيه الدين، والتهبت العاطفة، وكثرت فنون الأغراء، واصطلح فيه إبليس والعلم يعملان معاً. .؛ وأطلقت الحرية للمرأة، وتوسعت المدارس فيما تقدم للفتيات، وأظهرت من الحفاوة بهن أمرا مفرطاً حتى أخذن ربع العلم. . .؟

قلت: وثلاثة أرباع العلم الباقية؟

قال: يأخذنها من الروايات والسيما. علم المدارس ما علم المدارس؟ أنهن لا يصنعن به شيئاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>