لما كنت في جبال الدولوميث صيف السنة الماضية لقيت نفراً من مهرة
الفنانين الإيطاليين. فحدثوني عن القسم المصري لمعرض البندقية
الواحد والعشرين وكان حديثهم من أعذب ما سمعت إذ أقروا أن
دلائل الفن المصري الحديث من الطراز الأول. ولما انحدرت من
جبال الدولوميث إلى سهول إيطالية لم أر بداً من الذهاب إلى البندقية
فوصلتها في يوم يكاد فيه الهواء يصل إلى الرئة: حرّ أسواني وثقل في
الجو ثم بعوض فتّاك
إن القسم المصري في معرض البندقية كان شيئاً عظيماً حقاً. فلم أفرغ من تأمله حتى بعثت إلى (الرسالة) بمقالة مسهبة وصفت فيها المعروضات وعللت تقدم الفنانين المصريين. وإذا المقالة لا تنتهي إلى (الرسالة) عفا الله عن البريد
وليعزّ عليّ أن أهمل ذلك القسم المصري، إلا أني أصبحت أرى معروضاته على ضوء ضئيل أو كما يقول المصورون أنفسهم في ضياء مظلم ومما يزيد في أسفي أن هذا القسم عُرض ثانية في فندق الكونتيننتال في القاهرة وأنا لم أحضرها بعد
فهل يؤذن لي أن أكتب من الذاكرة؟
أذكر من الصور تلك التي عرضها محمود سعيد وهو مصور يحقُ له أن ينافس كبار زملائه من الفرنجة. ويمتاز سعيد ببثّ الحياة الزاخرة في نواحي صوره وبالإتقان من غير تكلف وبالتأليف الجامع المدفون في اللمحات والإشارات كأنه نغمات تنسجم على وزن لا يبلغ الأذن. ثم إنه أخذ يفلت من تأثير روبرندت وروبنس وحول أنظاره إلى الفطريين أمثال فان إيك إلا أنه يصب في ألواحه ما يحس به خاصة وما يضطرب في الطبيعة المصرية. وله أداء تعبيري يدعوك إلى الروية وطلب المزيد. وإنك لتلمس هذا أمام صورتين له على وجه التخصيص هما: فتيات بحري والجزيرة السعيدة.