وأذكر من المنحوتات تمثالاً لأحمد عثمان يبرز فتاتين خارجتين إلى النزهة فيما أظن. والتمثال إلى الطريقة الوصفية الدقيقة. إلا أن الدقة فيه غير مباشرة، ومعنى هذا أن التفاصيل لا تؤدى على حالها المنظور بل على حالها المتخيّل. وهذا أسلوب في الأداء عرفه قدماء المصريين. وجمال هذا التمثال من جانب الصدق الذي يفيض من نواحيه ثم من جانب قوته التزيينية
وهنا أحب أن أعلن أن الفن في مصر الحديثة سبق الموسيقى والرقص والشعر حتى النثر لأنه بنجوة من الرأي العام لانصراف الجمهور عن مظاهره، والرأي العام عندنا يكره الوثبات، ولأنه غير خاضع لسلطان التقاليد والمنقولات إذ التصوير في الإسلام لا يعدو جانب التزويق، ولأنه نهض أول ما نهض على قواعد الفن الأوربي وحده فلا نزاع ولا شقاق ولا تقديم رجل وتأخير أخرى. أضف إلى كل هذا أن أصحابه أدركوا أن غاية الفن الصحيح طلب الطرافة من ناحيتين: الأولى بالانطواء على النفس والثانية باستلهام ما يحيط بك. فهذه تخرج لكل بلدٍ فنه الموقوف عليها لأنه مستمد من سمائها وأرضها سليقة أهليها، وأما تلك فترسل في ألواح كل فنان معنىً وتنفث سراً.
بشر فارس
من مآسي الحياة
سيدي الأستاذ الزيات
لقد وعدت أن أقص عليك ما أعلم من مآسي الحياة، ولكني رأيت ألاّ أفي بوعدي رحمة بالرسالة وقراء الرسالة
إن حبي للرسالة يمنعني أن أحملها من المآسي ما تخر تحته الجبال.
مآس سحقت قلوباً كانت قوية، وأذلّت نفوساً كانت عزيزة أبيّة، وهدمت حياة كانت حافلة بالآمال والأعمال.
فهل في استطاعة الرسالة احتمال كل هذا؟
أما كفاها ما حمّلها صاحبها من مآس وهي لا زالت طفلة في السابعة من عمرها؟ لقد رأيت الدموع تجري بين سطورها، وسمعت أنّات القلوب المحطمة بين صفحاتها، فهل أزيدها