للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نظرية النبوة عند الفارابي]

للدكتور إبراهيم بيومي مدكور

مدرس الفلسفة بكلية الآداب

- ٣ -

أسلفنا القول عن إحدى الشخصيتين اللتين أثارتا مشكلة النبوة أثناء القرن الثالث والرابع للهجرة في شكل حاد، ونعني بها ابن الراوندي. واليوم نريد أن نتحدث عن الشخصية الأخرى التي ليست أقل من الأولى خطراً في هذا المضمار والتي ربما كانت أعرف لدى جمهور القراء، وهي شخصية أبي بكر محمد بن زكريا الرازي الذي ولد سنة ٢٥٠ هجرية بالري حيث تعلم الرياضيات والفلك والأدب والكيمياء. ويظهر أنه لم يتقدم للدراسات الطبية إلا بعد أن بلغ سنا خاصة، ولكنه لم يلبث أن برز فيها على جميع معاصريه وأحرز شهرة كبيرة. فصار يتنقل من بلاط إلى بلاط، ومن مدينة إلى مدينة، يشرف على مستشفاها ويأخذ بيد العلاج والطب فيها. وكان في كل هذا يحن إلى الري ويعود إليها من حين لآخر إلى أن توفى بها في العقد الثاني في القرن الرابع. وليس هناك شك في أن الرازي هو أكبر طبيب في الإسلام، بل وفي القرون الوسطى على الإطلاق. فقد أحاط بكل النظريات الطبية القديمة وأدخل عليها عناصر جديدة هدته إليها تجاربه الكثيرة، ومنح الكيمياء كذلك قسطاً كبيراً من عنايته، ودرسها دراسة واقعية تجريبية قضت على كثير من الخرافات والأباطيل التي لصقت بها في ذلك العهد. ولم يكن الرازي طبيباً وكيميائياً فحسب، بل اتجه نحو الفلسفة وكتب فيها عدة أبحاث. ولقد كان حريصاً كل الحرص على أن يلقب بالفيلسوف؛ ولذلك لما أحس أن بعض معاصريه ينكرون عليه هذا اللقب سارع إلى الرد عليهم، وبين في رسالة خاصة مميزات الفيلسوف العلمية والعملية محاولاً أن يطبقها على نفسه. وهو في طبه وفلسفته واثق من نفسه كل الوثوق وإلى درجة لا نكاد نجدها لدي أي شخص من مفكري الإسلام. فهو ينتقد جالينوس في بعض آرائه، ولا يتردد في أن يرفض فريقاً من النظريات الأرسطية، ويضع نفسه في مصف أبقراط وسقراط من الأطباء والفلاسفة السابقين. وفوق هذا فهو لا يسلم بتلك الجملة المشهورة: (ما ترك الأول للآخر

<<  <  ج:
ص:  >  >>