شيئاً) ويعتقد على العكس منها أن السابقين تركوا للاحقين أشياء كثيرة. وقد استدرك هو نفسه على القدامى جزءاً من نقصهم وأصلح بعض أخطائهم. ولا نظنه ينكر علينا إذا حاولنا اليوم أن نثبت ما في آرائه من ضعف أو خطأ، وما أشبهه في هذا ببيكون بين الطبيعيين والفلاسفة المحدثين. وليس بغريب أن يقف هذا الموقف أشخاص ينادون بالتجربة ويؤمنون بنظرية التقدم العلمي المستمر. فالرازي إذن مجدد وذو آراء مستقلة يجدر بنا أن نعرفها بصرف النظر عن خطئها أو صوابها، شذوذها أو اعتدالها.
لم تستبق لنا الأيام، ويا للأسف، كثيراً من مؤلفات الرازي الطبية والكيميائية والفلسفية، إلا أنا ربما كنا أعرف بطبه وكيميائه منا بفلسفته. والسبب في ذلك أن الباحثين من المحدثين عنوا بالرازي الطبيب والكيميائي أكثر من عنايتهم بالرازي الفيلسوف. ونحن لا ننكر أن جانبه العلمي أوضح وأقوى من جانبه الفلسفي، وأن ما وصل إلينا من كتبه الطبية والكيميائية يزيد نسبياً على مخلفاته الفلسفية. بيد أن في فلسفته جرأة وغرابة تدفع الباحث إلى دراستها وتفهمها. وإذا كان شذوذها وخروجها على المألوف هما من دواعي الإعراض عنها والتنفير منها فأنهما في الوقت نفسه من وسائل الترغيب فيها والتشويق إليها. ونعتقد أنا نستطيع الآن أن نكون عنها فكرة كاملة على ضوء ما نقله أبو حاتم الرازي والبيروني والكرماني ونصيري خسرو، وبعض الرسائل القليلة التي وصلت إلينا والتي كتبها الرازي نفسه.
لئن كان الرازي قد اشتغل بالفلسفة فإنه يفترق عن فلاسفة الإسلام المعروفين في نواح كثيرة. فهو يهاجم أولا أستاذهم وزعيمهم أرسطو ويخرج على كثير من نظرياته الطبيعية والميتافيزيقية.
ويبالغ ثانيا على العكس منهم في التعليق بأهداب الآراء المزدكية والمانوية والمعتقدات الهندية. وينكر أخيراً كل الإنكار محاولتهم التوفيق بين الفلسفة والدين. ويرى أن الفلسفة هي السبيل الوحيد لإصلاح الفرد والمجتمع، وأن الأديان مدعاة التنافس والتطاحن والحروب المتتالية. وقد كتب كتابين عدهما البيروني بين الكفريات، وهما: مخاريق الأنبياء أو حيل المتنبئين، ونقض الأديان أو في النبوات. وقد صادف الكتاب الأول نجاحا لدى بعض الطوائف التي انتشر فيها الزندقة والإلحاد وخاصة لدى القرامطة. ويذهب