الأستاذ ماسنيون إلى أن أثره تعدى إلى الغرب وكان منبع تلك الاعتراضات التي وجهها عقليو أوربا إلى الدين والنبوة في عهد فرديك الثاني. وحتى اليوم لم يوقف له على أثر بين المطبوعات والمخطوطات العربية. وأما الكتاب الثاني فقد وصلنا منه فقرات عن طريق غير مباشر في كتاب أعلام النبوة لأبي حاتم الرازي المتوفى سنة ٣٣٠ هجرية. وأبو حاتم هذا من أكبر دعاة الإسماعيلية الذين أبلوا بلاء حسنا في طبرستان وأذربيجان في أوائل القرن الرابع للهجرة. وقد كان معاصراً ومواطناً للرازي الطبيب، ودارت بينهما مناقشات حادة ومتعددة حضرها بعض العلماء والرؤساء السياسيين
وقد شاء أبو حاتم أن يدون هذه المناقشات في كتابه أعلام النبوة. حقا إنه لا يصرح في هذا الكتاب باسم الرازي ويكتفي بأنه يوجه نقده إلى من سماه الملحد؛ غير أن هناك أدلة قاطعة على أن هذا الملحد ليس شخصاً آخر سوى الرازي. فان حميد الدين الكرماني المتوفى سنة ٤١٢هـ وزعيم الدعاة الإسماعيليين في عصر الحاكم بأمر الله يصرح في كتابه الأقوال الذهبية بأن مناقشات في النبوة والمناسك الشرعية دارت بين الرازي والشيخ أبي حاتم بجزيرة الري أيام مردادج وفي حضرته. والكرماني حجة في هذا الباب فإنه أعرف ما يكون بأخبار الإسماعيليين زملائه وبمواقف الرازي وآرائه التي أخذ على عاتقه أن ينقض بعضها في كتابه الآنف الذكر. ومما يؤسف له أن مخطوطة أعلام النبوة الوحيدة، التي وصلت إلينا، بدون مقدمة؛ ويغلب على الظن أن هذه المقدمة المفقودة كانت تشتمل على غرض الكتاب والدافع إلى تأليفه. فكتاب أعلام النبوة يقفنا على الاعتراضات الرئيسية التي وجهها الرازي إلى النبوة وأثرها الاجتماعي؛ وعليه نعتمد هنا أولاً وبالذات.
وهذه الاعتراضات في جملتها تقترب بعض الشيء من الاعتراضات التي أثارها ابن الراوندي من قبل. وكأن الرجلين يرددان نغمة واحدة ويصدران عن أصل معين، أو كأن تعاليم هندية وآراء مانوية اختفت وراء حملتهما. ونحن نعلم من جهة أخرى أن الرازي يقول بالتناسخ الذي عرفت به السمنية من الهنود، ويتشيع للمانوية الذين كانوا يدسون في غير ملل للإسلام ومبادئه؛ ولا يبعد أن يكون قد وقف على نقد الإغريق للديانات على اختلافها. وسواء أكان الرازي متأثراً بعوامل أجنبية أم معبراً عن آرائه الشخصية فإنه يصرح بأن الأنبياء لا حق لهم في أن يدعوا لأنفسهم ميزة خاصة، عقلية كانت أو روحية،