سمع الملائكة بما صار إليه أمر آدم، وعرفوا أنه سيقدَّم للمحاكمة بلا تسويف، وترامَى إليهم أنه قد يتخذ منهم شهوداً على براءته من تهمة العصيان. فاجتمعوا بمسجد الفردوس ليتشاوروا فيما يليق بهم أن يصنعوه إن دُعي فريق منهم للشهادة في ساحة العدل. . . فما الذي دار من الأحاديث في ذلك الاجتماع؟
قبل أن ندون هذا المشهد نذكر أن شيث بن عربانوس يدير كلامه على أساس يخالف ما تعارف عليه جمهور المؤرخين، فهو لا يرى أن آدم صاحب حواء كان أول آدم، وإنما سبقته أوادم تعد بالمئات أو بالألوف. وسنرى كيف يحدثنا أن آدم حين هبط الأرض وجد فيها جماجم بشرية تشهد بأن الأرض سُكنَت قبله بأمم لا يعرف أخبارها غير علام الغيوب
وقد هالني هذا الرأي، فمضيت أستفتي المؤلفات الإسلامية لأعرف حظه من الصحة أو البطلان، فماذا وجدت؟
رأيت من يحكم بأن في قول الملائكة:(أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) دليلاً على أنهم رأوا قبل ذلك أجناساً آدمية تفسد في الأرض وتسفك الدماء. ورأيت من يجعل (الخليفة) في قوله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة) آدم جديداً يخلف الأوادم القدماء
ومع أن هذه الأقوال لا تستند إلى نصّ قطعيّ الثبوت والدلالة - كما قال أستاذنا الشيخ عبد الوهاب النجار، رضي الله عنه وأرضاه - فهي تؤيد مذهب شيث بن عربانوس، أو تجعله مذهباً لا يتأثم الباحث من الاعتماد عليه وهو يقص أخبار آدم الرسول
والحق أن عبارة القرآن وعبارة التوراة صريحتان في أن آدم صاحب حواء هو أبو البشر. وعبارة القرآن أصرح في هذا المعنى، فالمألوف في أسلوب القران أنه ينهى كل نبي عن الوقوع فيما وقع فيه من سبقوه. ولو أن آدم كان سُبق بأمم بائدة لقص الله عليه أخبارها كما صنع مع سائر الأنبياء، فلم يبق إلا أن نعدّ شيث بن عربانوس مسئولاً عن القول بان آدم صاحب حواء ليس أول إنسان شهد هذا الوجود
ويظهر أن كتاب شيث كان معروفاً في بعض البيئات الإسلامية قبل أزمان طوال، فقد رأينا