لأكثر الشعر وأكثر الغناء؛ ولكن (أرواح وأشباح) هزت نفسي هزاًّ شديداً، فكنت أطيل الوقوف عند كل رباعية، وأُديم النظر في كل بيت، أتذوق جمال صياغته برفق، وأستجلي سر بلاغته في أناة. وإن (الحية الخالدة) و (الفنان الأول) و (حواء) لمن الروائع التي تطول على مقاييس النقد وتدخل في منتخبات الخلود
على أن أسلوب هذه الملحمة ليس بدعاً من أسلوب علي طه؛ فان الصفات الغالبة إلى أسلوبه كله هي الوضوح والأناقة والسهولة والسلامة. ومرجع ذلك فيه إلى ثقافته الرياضية. وليس كالعقل الرياضي شكيمةٌ للخيال الجموح يُسلس بها ويُصحب. وما دام الخيال في قيادة المنطق طار بالفكرة في جِواء مشرقة لا سحاب فيها ولا ضباب، فتتميز الألوان وتتحدد الخطوط وتتبين الصور. أما الخيال الشعري الجامح، فهو كالحب الصوفي الجامح، لا يجد اللفظ الذي يُسفر، ولا العبارة التي تُبين. إنما هي (شطحات) وراء الفكر لم تتضح في الشعور ولم تستقم في الذهن، يحاول الشاعر أن يعبر عنها بالمجازات البعيدة والرموز الخفية، فيغرب ولا يُعرب، ويشير ولا يَدل
إن من عادتي في هذا المكان من (الرسالة) ألا أجامل في سياسة ولا أدب. وربما كان من الخير في هذه المرة أن أدافع الظنون عن هذه العادة بذكر الحكم مؤيداً بأسبابه. وكان ذلك يقتضي تحليل القصيدة إلى عواملها البلاغية، ولكن أن الكتاب في أيدي القراء، والتنبيه على مواضع الجمال فيه اتهام للأدباء!