قلنا في كلمة سبقت إن فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم هو المصلح الذي يرجوه الأزهر وينتظره؛ لأن الله جمع فيه من المواهب والمكاسب ما لابد منه لكل مصلح؛ فهو أزهري مكتمل الأزهرية في دينه وخلقه وعلمه؛ وهو سلفي معتدل السلفية في عقيدته وطريقته وفهمه؛ وهو تقدمي متئد التقدمية في اجتهاده وإصلاحه وحكمه. ورجل بهذا الدين وفي هذا الخلق وعلى هذا العلم جدير بأن تناط به الآمال في إنهاض الإسلام وإصلاح الأزهر؛ لأنه بفضل دينه لا يؤتى من قبل نفسه، وبفضل علمه لا يؤتى من قبل قومه، وبفضل خلقه لا يؤتى من قبل سلطانه.
فلما ألقيت إليه مقاليد الأزهر وأخذ بنهج الطريق إلى الإصلاح فجمع الأهب وحشد القوى، وأعلن الدعوة، هبت في أول السير ريح من الخلاف تحمل بالإضراب والاعتصاب، مطالب للأساتذة والطلاب، فقلنا أول الأمر إنها الفتنة التي تفرق الرأي وتعوق الإصلاح وتعصف بالأزهر! وسمعنا أن فريقاً من الذين في قلوبهم مرض وفي رءوسهم غرض يحملون الحطب لهذه النار، ويوزعون الأبواق لهذه الفتنة. فسكتنا على مضض، وارتقبنا على خوف، وقلنا ما قال عبد المطلب في أصحاب الفيل:
// لا هم إن المرء يمن ... ع رحله فامنع رحالك
ولكن الله الذي تكفل بنصرة جنده وغلبة حزبه، نقى الخبث وماز الغش فانجلت صيحة الأزهريين عن خالص الحق وصريح العدل، فاستمع لها الأستاذ الأكبر وجعلها نقطة البدء في إصلاحه، وعدة العمل في جهاده، ووقف من مطالب العلماء موقفه العظيم الذي لم يقفه أحد قبله: أيدها لأنها من رأيه، وتبناها لأنها من منهجه، وجاهد الحكومة عليها لأنها من حقه. لذلك اجتمعت حوله القلوب، وتلاقت عنده الأهواء، ووقف الخناس خزيان يعض على يديه ويقول: طلبت الفوضى فجاء النظام، وأردت الفرقة فكانت الجماعة!
ماذا يطلبه أساتذة الأزهر؟ يطلبون المساواة بينهم وبين نظرائهم من أساتذة المعارف. ومن ذا ينكر المساواة بين النظير والنظير في الحق إذا تساويا في الواجب؟ الحكومة!
نعم الحكومة التي جعلت للأزهر نصيباً من وعودها في خطاب العرش؛ وضمنت لشيخ الأزهر قسطاً من جهودها لإصلاح الأزهر؛ وعانقت الشيخ عبد المجيد يوم هنأته ووعدته بتأييدها في هذا الإصلاح! ثم انتظر الشيخ أن تنجز الوعود، وتبذل الجهود، فإذا هي تتخلى