أخذ السحاب الجون يتكاثف حتى حجب السماء، وطبق الأرض، وأرسل المطر هتانة، حتى أصبح إقلاعه بعيداً أمده. فجاء اليوم عابس الوجه. لا ترى في أرضه غير البرد الساقط، وطير الزاغ ويبلله القطر، وفي داخل المنازل امتد غبش الليل واشتد قارس البرد حتى أمسيت تشعر بالحاجة الشديدة لحرارة المدفئة.
كان بافيل بتروفيتش سوموف يروح ويغدو في مكتبه متأففا من الجو متبرما به، فسفعات المطر للنوافذ والظلام الشامل للغرفة حملاه على الاستياء الشديد والتذمر المر، ولقد كان ضجره لا يحتمل وما كان في يديه ما يشغله. . فالجريدة لم تصل إليه حتى الساعة والصيد متعذر حصوله، صعب بلوغه، وما كان الوقت وقت عشاء.
لم يكن سوموف وحيداً في غرفة عمله، فقد جلست إلى مكتبه مدام سوموف وهي حسناء نحيلة في غلالة بيضاء وجورب وردي، وكانت منهمكة في تحبير رسالة، وكان إيفان بتروفيتش عندما يحاذيها في جيئته وذهابه ينظر من وراء كتفيها ما تكتب فيرى حروفا كبيرة ودقيقة وضيقة منمقة غاية التنميق! لها ذيول وبها كثير جدا من الطمس والمسح والتلويث وأثر الأصابع، وكانت مدام سوموف لا تحب الورق المسطر، وكل سطر تكتبه ينحدر بتعرجات قبيحة حتى ينتهي إلى الهامش.
سأل سوموف زوجه حين رآها تبدأ الكتابة في الصفحة السادسة (لمن تكتبين مثل هذه الرسالة الضافية يا ليدوتشكا؟)
- إلى الأخت فاريا
- أوه!. . خطاب مسهب. . أنني ضجر. . دعيني أقرأه
- لك أن تقرأه. . بيد أنه لا يلذك
تناول سوموف الصفحات المكتوبة وهو يذرع أرض الغرفة وأخذ يقرأ. .
ارتفقت ليدوتشكا على ظهر كرسيها وجعلت ترقب ما على وجهه من تعابير. . استطال وجهه بعد الصفحة الأولى وظهرت عليه ملامح الرعب!! وفي الصفحة الثالثة قطب جبينه