وأشار إلى الصندوق الذي تحت إبطه، ثم سألني أتعرف تحميض الصور؟ قلت نعم، قال فهلم إلى معونتي فخبرتي بذلك قديمة منسية. وما كادت تظهر الصورة السالبة على لوح الزجاج الأسود حتى اختطفها يحملق فيها وكأنه تبين ملامح السارق. ولم يُضْح صباح اليوم التالي حتى كان اللص في دار الشرطة ولم يسعه وقد واجهوه بالصورة الا الاعتراف. وخلاصة الأمر أن صاحبنا الفلاح خبأ الكاميرا داخل بيت الدجاج ووصلها بسلك بالباب. وكانت في مواجهة الداخل، فلما دخل اللص فتح الباب فانكشفت العدسة فارتسم المنظر فكانت شهادة لجماد لا تعد لها شهادة الأحياء.
خطر لي بعد هذا الحادث أن مضيفنا كان لا شك رجلا فطنا، وأن صاحبنا اللص كان على حيلته غبيا لأنه خالف عرف اللصوص فزار البيت نهارا، وسألت نفسي وماذا كانت الحيلة لو أنه زار الدار ليلا، وأخذت أداور حلولا في رأسي للتسلية. ثم انتقل فكري من هذا كله حتى كان هذا الاسبوع فوجدت سؤالي يجاب في بعض أنباء العالم، ذلك أن رجلا استخدم لالتقاط الصورة في الظلام مصباحا كهربائيا يشع بالنور البنفسجي المعروف، إلا أنه استبدل بزجاجة المصباح الشفافة زجاجة خاصة سوداء تحجب من الضوء البنفسجي كل إشعاعات الطيف المرئي وهي الشعاعات التي تحسها عين الآنسان وبها تبصر، ولكنها لا تحبس ما فوق تلك من إشعاعات كيميائية تؤثر في الأفلام الفوتغرافية، فأنت إذا نظرت مثل هذا المصباح في حجرة مظلمة فأنت لا تراه، ولكن إذا كان بيدك كاميرا ففتحتها ارتسمت فيها صورته وارتسم كذلك المكان. فلو أن لصا زار بيت الدجاج ليلا وكان به مصباح كالذي نحن بصدده لما أفادته الظلمة شيئا. وإلى جانب هذه الصورة أخذت في الليل بهذه الطريقة، بها السيدة تمثل اللص وإلى جانبها المصباح رأته الكاميرا وضّاءً برغم سواده في العين.