قلت في مقالي السابق إن التدين ظاهرة واضحة كل الوضوح في الشعب السوداني، وأن الشعراء قد استجابوا لهذه البيئة المتدنية فكانت صورتها فيما نظموا من شعر.
ولكن لا يمكن أن تخلو جماعة من الجماعات البشرية من الطيب والخبيث، والفث والسمين، وفي الشعب السوداني كما في كل شعب نقائص ومثالب دينية واجتماعية، فهل استجاب الشعراء أيضاً لهذا المظهر؟ وهل صوروا العيوب التي تقع عليها أعينهم كما صوروا المحاسن؟
نستطيع أن نلتمس الجواب فيما كتبه الشاعر حمزة الملك في مقدمة ديوانه (الطبيعة) قال: (إننا نجهل أنفسنا فلا أستبعد ألا يرضى بعضنا عن بعض أوصاف صادقة لبعض الأفراد والجماعات وفي هذا كل الخطر.
نحن مرضى، ولا خطر علينا من تشخيص الداء، ووصف للحصول على الشفاء، إنما الخطر كل الخطر في المكابرة والإدعاء، والزعم بأننا أصحاء أشداء. وإنه لمن أجدى الأمور لنا أن نعرف أنفسنا كما هي فنصلح ما فيها من عيوب، وهي وأن كانت عيوباً تمت إلى أسباب بعضها طبيعي، وبعض طارئ استوجبه اضطراب أحوال البلد في السنين الماضية، فإنها كالأمراض التي لا يستعصي علاجها.
ومع ذلك فإنني لا أنسى إن أذكر لهذه المناسبة اننا من أكثر الشعوب تهيؤاً للإصلاح بعد الهنود).
فهو - إذن - يرى عيوباً، وهو يعتقد أن من الصالح له ولقومه أن ينبه على هذه العيوب، وأن يصورها، ويدعو قومه إلى مجافاتها؛ وهو يشعرنا في كلمته بأنه يعتذر عن هذا الذي أقدم عليه من ذكر هذه النفائض، فلا شك أنه كان يشعر بحكم الوسط الذي يعيش فيه - بأنه من غير اللائق أن يتحدث الشاعر عن رذائل قومه، ولكنه يرى الشعر رسول الإصلاح، ويرى الشاعر طبيباً اجتماعياً من واجبه أن يقف من المجتمع - ولا سيما المجتمع المتدين - موقف الناصح الأمين. غير أننا لا نجد الشاعر نفسه عالج بشعره شيئاً مما تراه عيناه، ونجد من الشعراء الآخرين إجفالا عن الخوض في مثل هذا الحديث. نعم نرى من الشعراء