للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من يصيح بقومه أن الدين قد وهى سلكه، وأنتثر عقده، وضعف سلطانه على النفوس، كأن يقول الشاعر الشيخ عبد الله عبد الرحمن صاحب ديوان (الفجر الصادق):

بعدنا عن الدين الحنيف وهديه ... فيا ويلنا إن دام هذا التباعد

أو يقول:

من أين يرجى للبلاد تقدم ... والدين لم ترفع له أعلام

أو يقول:

خذوا بيد الفضيلة وانشروها ... فإن من المعرة أن تهونا

وهنا قد يبدو سؤال لا بد منه، فإننا ذكرنا في مقالنا السابق أن من أظهر صفات السودانيين التدين، فكيف يتفق هذا مع ما يردده شعراؤهم في الحين بعد الحين من الشكوى المريرة والرثاء للفضيلة والبكاء على الدين؟

وليس من الصعب الجواب عن مثل هذا التساؤل، فإننا إذا قسنا حياة الناس اليوم بما كان عليه الشعب السوداني منذ خمسين سنة لوجدنا البون شاسعاً، والفرق بعيداً، فقد كانت أجواء السودان معطرة بأنفاس الزهاد والصالحين، وكانت لهم السطوة الروحية، والهيبة الدينية؛ أما الآن فإذا وجدنا فإنما نجد أفراداً يعدون على الأصابع، فإذا أضفنا إلى هذا أن بعض وسائل المدينة قد دخلت السودان، وأن المحافظين غير راضين عن هذه الوسائل، فالسينما والقهوة، وتعليم البنت، والألعاب الرياضية الكثيرة، كل هذه مما يرى فيه المتدينون المحافظون إبعاداً عن الدين، مع الفوارق - بطبيعة الحال - بين هذه المبعدات.

يبدو أن تعليم الفتاة في السودان كان يلقى جدلا طويلا عريضاً، وأن كثرة كاثرة كانت ترى فيه هدما للدين، فجعلت تجاربه، وتبدى مخاوفها من السفور المنتظر، وأن قوماً كانوا يؤيدون فكرة تعليم الفتاة. وأنا وإن لم أجد صورة واضحة في الشعر لهذا الجدل ألا إني قرأت هذه الأبيات للشاعر الشيخ حسيب علي حسيب في قصيدة عنوانها (دعوها) يقول فيها:

دعو في خدرها ذات الدلال ... فقد أرهقتموها بالجدال

تذوب وقد تناظرتم حياء ... بفحش اللفظ أو هجر المقال

ويعلو خدها خفر ينادي ... ألا ما للنساء من الرجال

<<  <  ج:
ص:  >  >>