إن دراسة السكان على جانب كبير من الأهمية للباحث الاجتماعي، وذلك لوجود علاقة متبادلة بين تكوين وحجم المجتمع من جهة، وبين النظم الاجتماعية والمظاهر الحضارية من جهة أخرى. وعلى ضوء هذه الدراسة توضع خطط إصلاح المجتمع. والسكان في العالم موزعون توزيعاً غير صحيح، لأن هناك عوامل كثيرة تؤثر في هذا التوزيع، وأهمها المظاهر الجغرافية والموارد الطبيعية والتحسينات البشرية.
وفي مصر يتجمع السكان (تسعة وتسعون في المائة منهم) في جزء صغير لا تتجاوز مساحته خمسة وثلاثين كيلو متراً مربعاً، فتبلغ كثافة السكان ٧٥٠ نسمة في الكيلو متر المربع على اعتبار أن عدد السكان قد وصل تسعة عشر مليونا. وتختلف هذه الكثافة في جهات القطر المختلفة، وتبلغ أقصاها في المنوفية: أشد المديريات إزدحاماً، إذ تزيد الكثافة على ثمانمائة نسمة. ولا عجب في هذا الازدحام فإن اعتماد الأهالي على الزراعة.
ومن مقارنة التعدادات المتتالية يتبين لنا أن عدد السكان في مصر قد تضاعف في نصف القرن الأخير إذ زاد من تسعة ملايين وسبعمائة نسمة في عام ١٨٩٧ إلى تسعة عشر مليوناً. في عام ١٩٤٧ حيث بلغ متوسط الزيادة ٢ % في السنة. وهذه زيادة كبيرة لا تتناسب وزيادة الموارد الطبيعية: وذلك هو أصل الداء رأس المشكلة. فإن المساحة المنزعة لم تزد في هذه الفترة إلا حوالي ثمانمائة ألف فدان إذ بلغت في عام ١٩٤٥ خمسة ملايين وسبعمائة ألف. وليس من شك في أن هذه الزيادة الكبيرة في السكان تؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة، لكنها زيادة في طبقات معينة ألا وهي الطبقات الدنيا، لأنها لا تزال تعتقد أن في زيادة السكان خيراً وبركة، اعتماداً على قول الرسول الكريم (ص)(تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة) ثم لطبيعة الفلاحين في حب النسل الكثير. ومن جهة أخرى أن نجد أن الطبقات المثقفة والعليا تستخدم وسائل ضبط النسل بنجاح كبير لدوافع اقتصادية وصحية وثقافية. إذن فالطبقات الدنيا هي التي ينخفض مستواها من هذه الزيادة، وهم سكان الريف المهمل في شتى الخدمات الاجتماعية.
وتعتبر الملكية العقارية عماد النظام الاقتصادي الزراعي في مصر. فقد بلغ عدد الملاك في