(نشرت مجلة (الشهر) الفرنسية بحثاً طريفاً في وراثة العبقرية استعرض فيه كاتبه أحدث النظريات العلمية في هذا الموضوع. فآثرنا نقله إلى قراء الرسالة)
شغلت مسألة وراثة العبقرية طائفة كبيرة من العلماء والفلاسفة منهم جالتون وموبياس وريبو ولمبروزو وكرتشمر وغيرهم من الباحثين
وهذه المعضلة تبدو في أشكال مختلفة. تبدو أولاً كحالة خاصة من معضلة الوراثة على العموم. إذ ما هي الآثار التي يتركها الآباء والأمهات؟ وبأي الأشكال تظهر؟ وما هي الآثار النسبية في تكوين الشخصية للوراثة المجردة من جهة، وللبيئة والتربية من جهة أخرى؟ وهل أثر الوراثة دائم أو غير دائم؟ وهناك وجهة نظر أخرى تعتبر العبقرية والذكاء شذوذاً إذا قورنا بحالة الشخص العادي. وكثيراً ما يصحب هذه العبقرية وهذا الذكاء فقدان في التوازن الجسماني، وغالباً في التوازن النفسي. كذلك قد تصحبهما حالة جنون
ولأننا نعلم أن عدداً من هذه الأمراض ينتقل بالوراثة، كان لنا أن نتسائل عن صدى هذا الاتجاه المزدوج: وراثة العبقرية، ووراثة الاضطراب العصبي أو المرض
إن مما لا شك فيه أن (في بعض الحالات) تكون العبقرية أحياناً وراثية. وقد ظهر ذلك جلياً في كثير من رجال العلم والموسيقيين والمصورين والشعراء وكبار الكتاب
فبين العلماء استطاع جالتون أن يجد أسراً كان بها عالمان وأحيانا ثلاثة أو أربعة أو خمسة، وأحياناً أخرى أكثر من ذلك. ووجد موبياس ٢١٥ أسرة اتفق فيها أن كان الأب والابن وافري الاستعداد الرياضي، (بين هذا العدد ثلاثة وثلاثون والداً لكل منهم أكثر من ابن واحد موهوب). وقد وجد هذا الاستعداد في ثلاثة أجيال متتالية سبع عشرة مرة، وبين خال وابن أخته عشرين مرة: وبين أبناء العم مرتين، وبين أشقاء أو شقيقات ١٣١ مرة، وبين أكثر من شقيقين ثلاثة وعشرين مرة. وكان العالم الفلكي الكبير (دومينيك فرانسوا آرجو) له ثلاثة أشقاء وولدان كلهم موهوبون في استعدادهم الرياضي. وكانت أسرة برنولي أعظم أسرة علمية عرفها التاريخ مما دفع الأستاذ دوبليه الفلكي بمرصد بوردو أن يخصص للكتابة عنها كتاب صدر عام ١٩٢٩ وسماه هذا الكتاب ذكر الأستاذ دوبليه أن أسرة برنولي شغلت كرسي العلوم الرياضية في جامعة بال - مسقط رأسها - مائة عام وثلاثة دون انقطاع؛ وبقيت أكاديمية العلوم في باريس نحو أحد أفراد أسرة برنولي مدة واحد