اعتاد المؤرخون الأقدمون، وجاراهم في ذلك بعض المحدثين أن يسموا وقائع الفتح الإسلامي (غزواً)؛ وفاتهم ما تحمل هذه الكلمة في تضاعيفها من معاني النهب، والسلب، والعبث، والتمثيل، وما هو في أحكام هذه الأمور من أنواع الجرائم والشرور التي نهى عنها الإسلام وتجافاها المسلمون في فتوحهم. ولقد أطلق هؤلاء المؤرخون هذه الكلمة على الفتح الإسلامي سهواً وتساهلاً، وما أحسبهم قصدوا بها هذه المعاني المستنكرة التي تؤدي إليها؛ فأخذها عنهم المتعصبون على الإسلام، والكارهون لهذا الدين الحنيف وفسروها بما أملته عليهم منازعهم وأحقادهم، ثم روجعوا لها في كتاباتهم، حاسبين أنهم بذلك قد قوضوا أركان الإسلام، وصدعوا بنيان حضارته، تلك الحضارة السامية التي مازالت ولن تزال منارة العدل والإنسانية والحرية
وأكثر ما يضحكنا من هذه البدع المضلّلة، والحملات الطائشة، ما جاء في كتاب تاريخ آسيا لهربرت كوفين إذ يقول:(إن الديانة الإسلامية التي يقدسها مائتان وثلاثون مليوناً من الناس تنطوي على آثام اجتماعية تئن منها الإنسانية، وإنها لم تقم إلا على حب الغزو والنهب!)
وما هرف به أيضاً العالم الأثري كلرمون جانو إذ يقول:(إن الحضارة الإسلامية ليست إلا فظائع الغزو العربي)
ولئن كان لهؤلاء عذرهم في جهلهم أساليب اللغة العربية وتجاهلهم حقيقة البلاد العربية وتاريخها، فما بال القارئ بمن يعيش في بيئة هذه الأمة، ويقف على أساليب لغتها، وبدائع حضارتها، ثم لا يرى لها بعد ذلك حسنة إلا مسخها سيئة. . . بل سيئة تكاد ألا تكون في مقدور بشري مهما كانت درجة انحطاطه في سلم المدينة، وحلقة التطور! وأعني بذلك الرجل المتحامل المتغرض الأب لامنس إذ يقول: (إن العربي أثبت في فتوحه أنه جبان ضعيف في الجندية، لا يفكر في غير المغانم، وأن العرب ظهروا كما كانوا على عهد الرسول وسطاً في القتال، وعلى استعداد للنهب، يحجمون أمام الخطر. . .
وأن لا قابلية لهم بشيء من أسباب الحضارة، بل الفضل لأولئك المتفسخين في فارس