لاحظت خلال إقامتي الطويلة في برلين وهامبرك والمدن الألمانية الأخرى اختلافاً كبيراً بين مقاطعة ومقاطعة، وبين طبقات مدينة واحدة أحياناً في اللغة والأخلاق والمعاملات والمثل العليا وشكل الوجه وتركيب الجسم. وقد زاد انتباهي هذا موضوع البحث العنصري الذي استولى على الجامعة والمدرسة والحانوت والحياة اليومية في ألمانيا الهتلرية. فقلت: ما دام الشعب الألماني شعباً جرمانيّاً واحداً من دم وعنصر واحد، فلم هذا الاختلاف بين المقاطعات؟ ولم هذا البون بين الطبقات في المدينة الواحدة؟ صرت أسجل ملاحظاتي هذه وميزات كل طبقة وأخلاقها في كل المدينة أنزل بها وفي كل بيت احل به. كذلك فعلت أثناء زياراتي للندن وبعض مدن انكلترة وباريس وليون وأشتراتسبرك ومارسيليا وروما، وأكثر مدن إيطاليا وجنيف وبرن ولوزان وبراغ ومارينباد ويسبادن وغيرها من مدن جيكوسلوفاكيا (المرحومة)؛ وكذلك بولندة والنمسا ودول البحر الأبيض المتوسط
توصلت إلى نتيجة، وهي أن قواعد التفكير العامة، وطراز المعاملات متقاربة ومتشابهة بين الطبقات الواحدة في الممالك المختلفة أولاً، وهي أيضاً مع تركيب الجسم وشكل الوجه والملامح ثانياً. فالطبقة الرابعة من سكان المدن مثلاً، وهي التي يطلق عليها في أوربا اسم تستعمل لها لغة خاصة عامية وتضع لها مصطلحات تصطلح عليها وتقضي معظم أوقاتها في المحلات المنخفضة في الأرض (كالسراديب والدهاليز)، وتأوي بكل سرور إلى المحلات المظلمة ذات النور القليل والمحلات المؤثثة بأثاث خشن ابتدائي، يميل الشاب منهم إلى تجميل شعر رأسه وتجعيده، مع أن ملابسه ممزقة رثة لا يهتم بها، يميل كذلك بصورة عامة إلى الألوان (الغامقة) كالأحمر أو الأسود أو الأصفر. وتميل بصورة عامة إلى المخاطر إذ لا تفزع منها، فإذا ركب أحدهم دراجة هوائية (بايسكل) أسرع بها كأنه في سباق. كذلك لا يبالون في جمل الأشياء الثقيلة من خطر صحي، وهم يميلون بصورة عامة إلى رسم الأشكال المختلفة بالزرقة والحمرة على بشرتهم، وإلى موسيقى غير موزونة مرتفعة مضطربة. ولا يبالون بإنفاق كل ما يحصلون عليه في مدة قليلة، ولو أنهم حصلوا عليه بشق الأنفس ومخاطرات عظيمة، فاللص ينفق المال الذي يسرقه بأقل من لمح البصر