مات صاحب المقام الرفيع والخلق الرفيع والأدب الرفيع أحمد باشا حسنين في غير الميادين التي تحدى فيها الموت!!
تحداه في الصحراء المجهل حين رحل، وفي السماء المرعدة حين طار، وفي الداء العقام حين مرض، فخنس عن تحديه؛ ثم اختلسه اختلاساً في حادث من حوادث القدر على غفلة من إرادته وحيويته!! ولو كان الموت حليفاً للحياة لأمهل الفقيد حتى يتم عمله الذي تهيأ له بخير الفضائل والوسائل من تربيته وخلقه وثقافته وتجربته؛ ولكن أجل الله إذا جاء لا يؤخر!
كان أحمد باشا حسنين - سقى الله بصيّب الرحمة ثراه - مزيجاً حلواً من طبيعتين كريمتين: صوفية مؤمنة، وعسكرية مغامرة. أخذ الأولى عن أبيه وكان من علماء الدين في الأزهر، وورث الأخرى عن جده وكان من أمراء البحر في الأسطول. أما أثر البيئة الأزهرية فيه فخلوص العقيدة، وبلاغة الأسلوب، واستقامة الطريقة؛ وأما فضل الوراثة العسكرية عليه، فحبه للنظام، وولعه بالرياضة، وميله إلى المخاطرة. ثم تخرج في اكسفورد فوجدت هاتان الطبيعتان في البيئة الإنكليزية والثقافة السكسونية الغذاء الناجع والجو الصالح، فنمتا أعظم النمو، وأثمرتا أكرم الثمر. والخلق الإنكليزي الأصيل قائم على جوهر هاتين الطبيعتين وفي هذا سر نجاحه.
كان الفقيد الكريم رياضي الروح والعقل والجسم؛ فمن رياضة روحه نبالة نفسه، ومن رياضة عقله سلامة تفكيره، ومن رياضة جسمه شجاعة قلبه. وهذه الصفات هي التي تنذر في أكثر الناس، وتعسر على قادة الشرق؛ لذلك كان فقد أمثاله رزءاً لا يحتمل وخسارة لا تعوض.
وكان من خواص الأدباء وبلغاء الكتاب؛ وكتابه (في صحراء ليبيا) وآثاره في منشآت (القصر) تتسم بسمة الفكر الناضح والذوق السليم والفن العالي. والبلاغة ظاهرة من ظواهر القوة، وأدب اللسان مظهر لأدب النفس.
وكان من حملة العرش الأقوياء الأوفياء المخلصين. آثر التاج بحبه، وآزره بقلبه، وأحسن