لعل أوثق المصادر عن ابن سينا وحياته هو الشيخ الرئيس ابن نفسه في الترجمة التي كتبها مجيباً بها عن سؤال أحد تلاميذه إياه. وقد اكمل هذه الترجمة تلميذه وتابعه وصاحبه منذ أن اتصل به في إقليم جورجان إلى حين وفاته. وهذه الترجمة محفوظة بالمتحف البريطاني في نسخة لا تزال خطية. وقد استفاد منها ابن أبي أصيبعة فنقلها في كتابه (عيون الأنباء) كما نقل أكثرها المؤرخ القفطي المصري في كتابه (أخبار العلماء بأخبار الحكماء).
ولقد عاش ابن سينا في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري والثلث الأول من القرن الخامس، لأنه توفي في سنة ٤٢٨هـ وهو عصر كثر فيه تقسيم الدولة العباسيةإلى دويلات صغيرة، فهناك الدولة البويهية التي وقع تحت سلطانها خلفاء بغداد، وخاصة الطائع والقادر والقائم الذين عاش ابن سينا في مدة خلافتهم. وهناك الدولة السامانية ببخارى في إقليم خراسان وما وراء النهر. وكان الأمير نوح بن منصور بن سامان هو الأمير الثامن من ملوك هذه الدولة، وهو الأمير الذي دعي ابن سينا لمداواته كما سيأتي بعد. وكان هناك دولة المأمونيين ولاة خوارزم الذين سميت دولتهم بالدولة الخوارز مشاهية. وهي دولة لا يعرف على وجه التحقيق اسم مؤسسها. ولكن اسمها يبدأ في الظهور منذ سنة ٣٨٠هـ - أي بعد ميلاد ابن سينا بعشر سنين - وفي عهد أميرها الثاني على بن مأمون بن محمد بن خوارزم مشاه جاء بن سينا من بخاري إلى جرجانية وكان ملكها الأمير قابوس بن وشمكير الكاتب المترسل الأمير الذي قصده ابن سينا بعد خروجه من خراسان، ولكن اتفق في تلك الأثناء إن قبض على الأمير قابوس وحبس في بعض القلاع ومات هناك. وكان هناك من ملوك الديلم مجد الدولة بن فخر الدولة الديلمي. ومجد الدولة هذا هو أخو شمس الدولة من ملوك همذان. وكانت الأميرة (سيدة) والدة مجد الدولة الديلمي هي المرجع في تدبير الملك، وعن رأيها يصدر الأمراء والولاة في مباشرة الأعمال: وكان هناك دولة أصفهان وأميرها علاء الدولة بن كاكويه، وكان ملكاً على أصفهان وملحقاتها، وحكم من سنة ٣٩٨هـ إلى سنة