تُحَيِّ الرسالة عامها الرابع بوجه مشرق بالرضى، وثغر مُفْترٍ عن الأمل، ولسان رطيب بالحمد؛ وتسأل الله سبحانه أن يزيدها نَفَسا في الأجل، وثباتا في العمل، وإخلاصا في النية؛ ثم تقف على رأس هذه المرحلة الجديدة وقفة المستجم الذاكر، تستمد القوة من الإيمان، وتستروح النشاط من الصبر، وتستخرج الصواب من الخطأ، ثم تبادل أصدقاءها الخلص ولاء بولاء ووفاء بوفاء وتحية بتحية.
تعالوا يا رفاق الروح وإخوان الفكرة نتناقل شجون الحديث في هذه البرهة التي ينسدل فيها ستار ويرتفع ستار، وينتهي من رواية الحياة فصل ويبتدئ فصل. ماذا سجل العام المنصرم في صفحته المطوية عن حياتنا العقلية؟ هل استقر لنا أدب خاص؟ هل صدر عنا إنتاج مستقل؟ هل ظهر فينا زعيم موهوب؟ هل غلبت علينا ثقافة واحدة؟ هل تسايرت أفكارنا إلى غاية معينة؟ هل أتصل أدبنا بالأدب العالمي المشترك؟ هل اتسع نطاق الأدب العربي فشمل نواحي الفن؟ تلك أسئلة يتشقق في أجوبتها الرأي، ثم لا يجتمع لك منها ما يوضح مبهماً ويحدد فكرة. وحسبك من ضعف الشيء أن تتعارض الأقوال في وجوده.
مما لا ريب فيه أن هناك أدباً متميز بفنه عن كل عصر، وإنتاجاً أستقل بأصالته عن كل نقل، وأسلوب أنفرد بخصائصه عن كل مذهب، واتجاها تنزه بمراميه عن كل عبث؛ ولكن هنالك أيضاً تنوعاً في مصادر الثقافة يباعد وجوه الرأي، وضلالا في فهم الأدب يزيف حقائق الفن، وإمعاناً في استيحاء الغرب يفسد روح القومية. فأحمد أمين، والرافعي، وطه حسين، والعقاد، والمازني، وهيكل لا تكاد تجد لهم في الأدب الموروث أشباها في سلامة المنطق وعمق التفكير وصدق الأداء وأصالة الإنتاج. وهم على اختلاف ثقافتهم متفقون على بناء الجديد على أساس القديم، وإذكاء الفكر الشرقي بالفكر الغربي، وتلقيح الروحية العربية بالمادية الأوربية، وإيثار الأسلوب البليغ المشرق في حدود الفن البارع السليم؛ وقد ظهر اتحاد وجهتهم جليا فيما نشروه هذا العام من مقالات ومحاضرات وكتب، وسينتهون متى استقرت أمور البلد، واستقلت إدارة الشعب، وهدأت ثائرة النفوس، إلى أدب واضح المعالم، مرسوم الحدود، تحرك جسمه روح، وتجمع أجزاءه وحدة، ويواجه أهواءه غرض.
وعلى هذه الخطة المثلى سارت الرسالة ثلاث سنين كاملة، قطعت فيها ولله الحمد مراحل مطموسة وعرة، ولولا عناية الله لأبدعت المطىٌّ وحار الدليل.