لقد كان بدء نقل الكتب العلمية إلى اللغة العربية كما ذكرنا آنفاً - بعد استقرار الحكم العربي، وأن اكثر المترجمين كانوا من أمم غير عربية، وأحياناً من غير المسلمين كالسريان والعبريين ومن الإيرانيين المسلمين منهم، والنصارى واليهود والمجوس، غير أن النهضة العلمية الحقيقة بدأت في العصر العباسي، وكان للإيرانيين حينذاك نفوذ كبير وشأن في الدولة عظيم.
ففي هذا العصر ترجمت كتب علمية على درجة كبيرة من الأهمية، ولاسيما في زمن خلافة المأمون. وكانت أمه وزوجته إيرانيتين، وكان نفوذ الإيرانيين قد بلغ في عهده غايته، ففي هذا العصر حصل العرب بطريق الفتح، أو بإيفاد بعوث خاصة إلى بلاد الإمبراطورية البيزنطية، أو بالشراء أو المبادلة على كثير من الكتب اليونانية النفيسة، أو ترجمتها السريانية، فجمعوها في مكتبة الخليفة المسماة (بيت الحكمة)، وقام بتعريبها مهرة المترجمين. ويروي بعض المؤرخين المسلمين عن سبب اهتمام المأمون بالعلوم الفلسفية وغيرها قصة ملخصها أن المأمون رأى أرسطو في منامه وسر من كلامه، فرغب في قراءة مؤلفاته. لذلك أحضر كتبه وأمر بترجمتها إلى العربية.
ويروي ابن النديم بهذا الشأن هذه الرواية:
(إن المأمون رأى في منامه كأن رجلا أبيض اللون، مشرباً حمرة، واسع الجبهة مقرون الحاجب أجلح الرأس أشهل العينين، حسن الشمائل، جالس على سريره. قال المأمون: وكأني بين يديه قد ملئت له هيبة، فقلت من أنت؟ قال: أنا أرسطاليس. فسررت به وقلت: أيها الحكيم، أسألك؟ قال سل. قلت ما الحسن؟ قال ما حسن في العقل. قلت ثم ماذا؟ قال ما حسن في الشرع، قلت ثم ماذا؟ قال ما حسن عند الجمهور. قلت ثم ماذا؟ قال ثم لا ثم. وفي رواية أخرى قلت زدني، قال من نصحك في الذهب، فليكن عند كالذهب. وعليك بالتوحيد.