كانت جزيرة (كورفو) منتهى المرحلة الثانية من مراحل سفرتي من بغداد إلى المغرب الأقصى قبيل الحرب العالمية الأخيرة.
هبطت بنا الطيارة المائية المطار البحري في المضيق البحري الذي يفصل الجزيرة من البر، وقت العصر؛ ثم نقلتنا السيارة من هناك إلى فندق في المدينة لنقضي الليلة فيه، على أن نعود في فجر اليوم التالي إلى المطار لنستأنف السفر نهاراً.
والطريق الذي يمتد بين المطار والمدينة كان طويلاً، يمر من بين مزارع جميلة وقرى صغيرة؛ شاهدنا فيها عدداً غير قليل من الرجال والنساء والأطفال، كلهم في ملابس أنيقة كأنهم في يوم عيد. وكلما اقتربنا من المدينة رأينا علائم الزينة تزداد شيئاً فشيئاً. . . إلى علمنا أن ذلك اليوم كان فعلاً من أيام الكرنفال.
كنت قد زرت هذه الجزيرة الجميلة مراراً؛ غير أن تلك الزيارات كانت قديمة العهد جداً؛ لأنها كانت تتصل ببداية حياتي التدريسية في حاضرة (الأيبر) - يانيا - التي كانت يومئذ مركز ولاية تابعة للدولة العثمانية.
فكان من الطبيعي أن أشعر برغبة شديدة في التجوال في المدينة قبل حلول الليل، بغية تجديد تلك الذكريات القديمة ومشاهدة الجزيرة - في عهدها الحالي - بعد مرور هذه السنين الطويلة. فما كدت أعرف غرفتي واضع فيها حقيبتي، حتى خرجت من الفندق إلى الشوارع التي تعج بضجيج الكرنفال. وأخذت أسير في الطرق والميادين دون أن أسترشد بدليل، غير مواكب التهريج نفسها. . إلى أن وصلت إلى الميدان الفسيح الذي يقع في ظاهر المدينة، حيث تلتقي شوارع عديدة فتمر منه جميع المواكب في روحاتها وغدواتها المتكررة.
رأيت القوم - كعهدي بهم سبقاً - يملئون الجو ضجيجاً والميدان حركة؛ ويتسابقون في