الضحك والإضحاك بأقنعتهم الغريبة، وأزيائهم العجيبة، ورقصاتهم السريعة، وأغانيهم الخفيفة، وأجواقهم المهرجة. وكان وصول كل موكب من المواكب إلى الميدان يستثير عاصفة من القهقهة والهتاف والصياح. . تندفع من حناجر آلاف المتفرجين المجتمعين هناك.
وقفت مدة في زاوية من زوايا الميدان التي تطل على شوارع عديدة، فتمكنت من مشاهدة المواكب الكثيرة؛ وأخذت أتتبع حركات القوم بكل اهتمام.
وأتفق أن وصل مرة أربعة مواكب غريبة دفعة واحدة من شوارع مختلفة؛ فزاد نشاط الجميع زيادة هائلة. وصارت الجماعات التي تؤلف المواكب تندفع في العزف والرقص والتهريج اندفاعاً جنونياً؛ وأخذت جماهير المتفرجين تغرب في القهقهة إغراباً عجيباً، كأنهم أصيبوا بنوبات عصبية تهز جميع أبدانهم هزاً عنيفاً.
وفي الوقت الذي كان هذا الهرج والمرج قد بلغا الحد الأقصى، وأخذت حواسي تعجز عن تتبع هذه الحركات العجيبة، وعن تمييز هذه الأصوات الخليطة، توقعت كل الحركات بغتة، وانقطعت كل الأصوات فجأة. . وظننت - في بادئ الأمر - أنه حدث حادث مروع جمد الرفح في النفوس، فأدى إلى هذا الوجوم العميق.
فأخذت أجيل بصري كل الجهات، لاستجلاء أسباب هذا التحول الفجائي إلى أن شاهدت في آخر الميدان فيمحل بعيد جداً، علماً ينزل من فوق سارية كبيرة؛ ولاحظت في الوقت نفسه بوق - صوت لم أنتبه إليه قبلاً - وفهمت عندئذ كل شيء.
كان ذلك وقت الغروب، وقد حان موعد إنزال العلم من سارية الثكنة العسكرية التي تقع في آخر الميدان، والبوق كان يدوي إيذاناً بذلك، والناس قد توقفوا عن السير والحركة احتراماً لذلك العلم!.
وكان صوت هذا البوق قد قضى على كل الحركات والأصوات التي تصدر من تلك الألوف المؤلفة من الجماهير، حتى في وسط مهرجانات الكرنفال، وقد أصخب صفحات التهريج؛ مع أن معظم أفراد المواكب كانوا قد أصبحوا شبه سكارى من شدة الفرح الذي استولى على جوانحهم من جهة، ومن كثرة الكئوس التي ارتشفوها في مختلف الحانات من جهة أخرى.