للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أخلاق القرآن]

الإحسان

للدكتور عبد الوهاب عزام

الإحسان الإتيان بالحسن من القول أو الفعل. والإحسان خلق ينزع بصاحبه إلى الحسن من كل شيء، وينفر به عن القبيح من كل شيء، ويطمح به إلى الأحسن فالأحسن رقياً في درجات الكمال

فعل الخير إحسان وتأدية الواجب إحسان؛ ولكن أكثر ما يقال الإحسان للتبرع الذي يزيد على أدنى درجات الواجب وللتفضل بأكثر مما يطلب

وذلك درجات يعلو بعضها بعضاً حتى تنتهي إلى الكمال

في كل عمل درجات من الإحسان يختلف فيها المتسابقون إلى الخير، ينال أدناها كثير من الناس، ثم يقلون كلما علت الدرجات حتى ينقطع معظم الناس دون الدرجات العلى فلا يبلغها إلا أفذاذ من الأخيار المحسنين

وفي كل صنعة درجات من الإحسان يتنافس فيها الصناع إلى أن يستأثر النابغون بدرجات يقف دونها الدهماء والأوساط

والأفراد والجماعات والأمم وتتفاوت في الضروريات كالطعام والشراب الذين يمسكان الحياة، والملبس الذي يقي الجسم عوادي الحر والبرد، بل يستوي في ذلك الأمم التي لا تزال في درك الهمجية والأمم التي بلغت في الحضارة مكاناً علياً، وإنما يتفاوت الناس في الحاجيات والكماليات تفاوتاً بعيداً، يقاس بما بين طعام الهمج وملبسهم ومعاملاتهم وبين نظائر أولئك في الأمم التي توفر نصيبها من الحضارة

وكذلك يعظم تفاوت الناس في الإحسان. الواجبات يحتمها القانون أو العرف، وفوق الواجبات ضروب من التبرع في المعاملة أو الإتقان في الصناعة يتلاحق فيها الناس إلى درجة الكمال أو ما يقرب منها

وفي الناس من يقنع بأداء الواجب، وهو الدرجة الدنيا من الإحسان، وفي الناس من لا يعرف في الإحسان حدا، ولا في الكمال غاية؛ طماح كلما بلغ درجة استشرف لما فوقها

والنفوس الكريمة تنزع إلى العلاء نزوعاً دائماً، وتتطلع إلى الكمال كل حين. تحس في

<<  <  ج:
ص:  >  >>