سريرتها دعوة من الله العلي تدعوها إلى الرفعة وتهيب بها إلى الكمال، وترى النقص في كل درجة فوقها درجة، لا أعني درجات من الغنى والجاه والسلطان، ولكن درجات من الخير والمواساة والرحمة، وتكميل النفس في معارفها وعواطفها، درجات من النظام والجمال في عقل الإنسان وخلقه وبيئته وكل ما يتصل به. رحم الله أبا الطيب الذي يقول:
ولم أر في عيوب الناس شيئاً ... كنقص القادرين على التمام
رحم الله النفس الطماعة اللوامة التي لا تحد طموحها غاية، النزاعة إلى الخير والكمال في غير نهاية. إنما يسير الله خلقه إلى الكمال بأمثال هذه النفوس، ويهديهم إلى المثل العليا بأفعالها وأقوالها
وقد جاء في الحديث أن الرسول صلوات الله عليه سئل:
ما الإسلام؟ فقال:(أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان) ثم سئل: ما الإحسان؟
فقال:(أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك). فقد جعل الرسول الإحسان تأدية العبادة على أحسن الوجوه، وأن يبلغ بها العابد أعلى الدرجات
وقد أرشد القرآن الكريم إلى هذا في قوله:(ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طَعِموا إذا ما اتقوا وأمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، والله يحب المحسنين). جعل الإحسان نهاية التقوى والعمل الصالح
والقرآن الكريم يأمر بالإحسان كله: الإحسان بفعل الحسن واجتناب القبيح، والإحسان بمجاوزة الحسن إلى الأحسن. وقد أكد الأمر به وكرره وبين مكانة المحسنين من الله سبحانه وجزائهم عنده
بين القرآن أن الله تعالى أحسن خلق الناس وأحسن خلق كل شيء. قال:(ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم، الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين). وقال:(الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات، ذلكم الله ربكم فتبارك ربكم فتبارك الله رب العالمين). وإذا كان خلق الله كله إحساناً فهذا العالم أولى به الإنسان، وأقرب إلى سنته وإلى مرضاة خالقه
بل بين القرآن أن الغاية من الحياة والموت والعمران استباق الناس إلى الإحسان وتنافسهم