لو تكلم القدر لأسمعنا العجب من ظلم الناس، وهم يحسبون أنهم المظلومون لأنهم يطلبون ولا يجابون، ولا يسألون أنفسهم مرة لماذا يحال بينهم وبين ما يطلبون!
فربما طلبوا ما لا يكون، وربما طلبوا شيئاً وهم يريدون غيره بل يريدون نقيضه، وربما طلبوا الشيء وتوسلوا إليه بغير وسيلته، ثم يعرفون خطأهم فلا يطلبونه بعد ذلك بوسيلته المثلى
والأستاذ توفيق الحكيم أراد الصفاء بين جميع الأدباء؛ فهل أراد شيئاً يكون في هذه الدنيا؟ وهل أراد حقاً؟ وهل توسل إليه بالوسيلة المثلى؟
إن ثلاث (لاءات) مفخمات غير أصدق جواب على هذه الأسئلة الثلاث
فالصفاء بين جميع الأدباء معناه الصفاء بين جميع الناس، وليس هذا بميسور ولا هو بلازم للأدب ولا للأدباء
فلماذا تصفو العلاقات بين جميع الأدباء وهي لا تصفو بين جميع الآدميين؟ إن الصفاء قد يتحقق بين طبيب ومهندس ولا يتحقق بين مهندسين أو طبيبين. وقد يتاح لرهط من الأدباء كما يتاح لرهط من أبناء الصناعات المختلفة، ولكنه لن يتاح لجميع الأدباء في وقت واحد، ولن يتاح لجميع الناس من صناعات شتى ولا صناعات متفقة. وليس تخصيص الأدباء هنا بالمطلب المفهوم إلا إذا عممنا الطلبة للأدباء وغير الأدباء، ورفعنا الكدر من جميع الأحياء. وهذا ما ليس بكائن، ولا نراه مما يكون
فالأستاذ توفيق الحكيم هنا يطلب شيئاً يجاب
ولكننا نعود فنسأل: هل طلبه حقاً؟ وهل اجتهد في تحقيقه فتوسل إليه بوسيلته المثلى؟
إن الذي يطلب الصفاء لا يبحث عن أسباب الكدر بملقاط ليخلقها خلقاً بين رجلين على أحسن ما يكون من الصفاء؛ بل هو يمحو منها ما وجد إن كان له أثر محسوس، ولا يوجد منها ما ليس له وجود ولم يحسه أحد ولا توهمه، ولا وقع في ظن من الظنون
فماذا صنع الأستاذ توفيق الحكيم؟
حمل ملقاطه ووضع مجهره على أنفه وراح ينبش ما بين السطور وأطال النبش بينهما