للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[القضاء عند قدماء المصريين]

بقلم حامد أسعد محمد عاشور

قبل أن نطرق هذا الموضوع يجب أن ألفت نظر القارئ إلى أن مصر كانت على درجة عظيمة من الرقي والحضارة، وأن العدالة كانت مستتبة الأركان موطدة الدعائم؛ وأن النظم الديمقراطية التي يدعي الأوربيون اليوم أنها من بنات أفكارهم أو مما ورثوه عن الإغريق والرومان، لم تكن إلا وليدة النظريات السياسية الفرعونية في عصور سحيقة؛ وأن الحريات المدنية والسياسية وحماية الملكية الفردية التي يباهي بها القرن العشرون بعد الميلاد، عُرفت في مصر وتوطدت أركانها في القرن العشرين قبل الميلاد تحت حكم ملوك مصر وفراعينها العظام.

كذلك قبل أن أبدأ الكلام أرى لزاماً عليّ أن أذكر أنني استقيت معلومات هذا المقال من مصادر تأريخ مصر المعروفة من كتابة على جدران القبور والمعابد إلى ما كتب في أوراق البردي، ثم من محاضرات أستاذي الدكتور زكي عبد المتعال في كلية الحقوق، ثم من كتاب (وصف مصر) الذي وضعته الحملة الفرنسية بعد رجوعها من مصر.

يرجع أصل سكان البلاد إلى بعض العناصر الآسيوية التي غزت مصر من الشرق، ثم امتزجت بعناصر أخرى من السود آتية من الجنوب.

أما تكوُّن الإقليم فهناك رأيان فيه: الأول يقول إن البلاد كانت تتكون من قبائل اتحدت فكونت مدناً، ثم اتحدت هذه فكونت أقاليم ومقاطعات، ثم تكونت مصر العليا مستقلة عن مصر السفلى إلى أن وحد سكوربيون ملك نخعة (مصر الوسطى) قسمي الإمبراطورية، ومن بعده جاء مينا فأتم ما بدأه سلفه.

أما الرأي الثاني فيقول: إن مصر لم تمر بهذا التطور التدريجي بل أنها من يوم أن دبت الحياة فيها وهي أمة موحدة، ويستند أصحاب هذا الرأي الأخير إلى أن نهر النيل هو منبع الثروة الوحيد في البلاد، فلا يمكن إلا أن توحد جهود السكان في سبيل الغرض المشترك وهو حب البقاء، والدفاع عن أموالهم ومورد رزقهم؛ هذا إلى أن الوثائق وأوراق البردي لم تذكر أن البلاد مرت بالدور التطوري السابق ذكره.

ولما تكون الإقليم وجدت الأسرات. ففي عهد الأسرتين الأولى والثانية كان الحكم مطلقاً،

<<  <  ج:
ص:  >  >>