كتب كاتب فاضل من بغداد بتوقيع (صدقي حمدي) في العدد ٥٧٩ من الرسالة كلمة يعقب بها ببعض المسائل على مقالي في نقض مذهب وحدة الوجود المنشور بالعدد ٥٧٣. قال:(والذي يلفت النظر لأول وهلة قول الأستاذ في مستهل مقاله إنه اهتدى إلى دليل علمي قاطع يدحض هذا المذهب ويلقي ضوءاً جديداً أمام العقل البشري الموغل في بحث علاقة الله بالكون). ومذهب الواحدية أو وحدة الوجود من أقدم المذاهب الفلسفية في العالم وأشدها إثارة للجدل، ويكفي لإدراك خطره في تاريخ الفلسفة الحديثة أن نذكر الفيلسوف الكبير (سيبنوزا) الذي يعد من أساطين هذا المذهب في العصر الحديث، ومن أعظم الداعين إليه بالقول والعمل) إلى أن قال:(فلا يصح إطلاق القول فيه بغير حجة أو برهان)
وإني ما أنكرت أن يكون لهذا المذهب تاريخ طويل ومعتنقون كثيرون من الفلاسفة والصوفية القدماء والمحدثين، وما أطلقت القول في نقضه بغير حجة أو برهان، وإنما سقت ما اهتديت إليه واعتقدته دليلاً حديثاً كافياً في دحض هذا المذهب، وسواء عليّ بعد ذلك أكان محيي الدين بن عربي وسيبنوزا وهيجل وغيرهم من معتنقيه أم من مخالفيه. فمن شاء فليأخذ هذا الدليل الذي سقته من حقائق الحياة العلمية الحاضرة ويستأنس به في بحث العلاقة بين الله والكون ويرفض على ضوئه مذهب الوحدة، ومن شاء فليتركه على شرط أن يأتي هو بدليل
ومن الواجب أن أذكر أنني كنت أثناء التفكير في مقالاتي عن الإيمان بالإنسان يحوم فكري كثيراً حول مذهب الوحدة، ويكاد يقبل عليه تحت ضغط الإعجاب والتقدير للروح البشري الخالق والجهد العلمي الأخير الذي سلك الإنسان في عداد قوى الخلق والتكوين والإنشاء التي يدير الله بها الكون المادي في الأرض. . . فلم يكن من المستبعد في الوهم حينئذ أن أنزلق بفكري إلى الأخذ بهذا المذهب الذي يجعل الإنسان جزءاً من الخالق الأعظم ومظهراً للوجود الكلي قائماً به
ولكن هذا الدليل قضى في نفسي على بوادر التفكير والتوجه إلى هذا المذهب الذي لا يكاد معتنقه يتماسك أمام نفسه وأمام الكون قلقاً وحيرة حين يختلط في فكره شعوره بأنه جزء من