لم يكن الصحابة رضوان الله عليهم طرازاً واحداً في الفقه والعلم، ولا نمطاً متشابها في الإدراك والفهم وإنما كانوا في ذلك على طبقات متفاوتة ودرجات متباينة بعضهم أعلم من بعض شأن الناس جميعاً على مر الدهور وتوالي العصور سنة الله في خلفه ولن تجد لسنة الله تبديلا.
قال ابن خلدون في مقدمته (إن الصحابة كلهم لم يكونوا أهل فتيا، ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم وإنما كان ذلك مختصاً بالحاملين للقرآن والعارفين بناسخه، ومتشابه ومحكمه وسائر دلالته بما تلقوه من النبي (ص) أو ممن سمعه منهم ومن عليتهم وكانوا يسمون لذلك (القراء) أي الذين يقرئون القرآن، لأن العرب كانوا أمة أمية فاختص من كان منهم قارئاً للكتاب بهذا الاسم لغرابته يومئذ وبقي الأمر كذلك صدر الملة).
وقال أبن سعد في طبقاته عن أبي خيثمة عن أبيه قال كان الذين يفتون على عهد رسول الله (ص) ثلاثة نفر من المهاجرين وثلاثة من الأنصار، عمر وعثمان وعلي، وأبي بن كعب ومعاذ أبن جبل وزيد بن ثابت.
وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل الرأي وأهل الفقه دعا رجالاً من المهاجرين والأنصار: دعا عمر وعثمان وعلياً وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد أبن ثابت. وكل هؤلاء كان يفتي في خلافة أبي بكر وإنما تصير فتوى الناس إلى هؤلاء فمضى أبو بكر علي ذلك ثم ولى عمر فكان يدعو هؤلاء النفر
وعن مسلم عن مسروق قال: شاهدت أصحاب رسول الله (ص) فوجدت علمهم انتهى إلى ستة، إلى عمر وعلي وعبد الله ومعاذ وأبي الدرداء وزيد بن الحارث فشامت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى علي وعبد الله.
وعن عامر قال: كان علماء هذه الأمة بعد نبيها (ص) ستة: عمر وعبد الله وزيد بن، فإذا قال عمر قولاً، وقال هذان قولاً، كان قولهما لقوله تبعاً وعلي وأبي بن كعب وأبو موسى